نزلت في المنافقين الذين كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود الذين كانوا يستهزئون بالقرآن وفيها توكيد بوجوب عدم مجالستهم. ومن المفسرين من روى أن المقصود من كلمة (الكافرين) في الآيات [١٣٩ و ١٤١ و ١٤٤] المشركون ومنهم من روى أن المقصود اليهود. وليس شيء من ذلك واردا في الصحاح.
والمتبادر لنا من مضمون الآيات وروحها أنها وحدة تامة ولم تنزل منفصلة كما يقتضي ذلك الروايات. وهذا ما جعلنا نعرضها في سياق واحد وأنها في حقّ المنافقين في الدرجة الأولى. وأن سبب نزولها هو مواقف المنافقين وتآمرهم مع اليهود وتذبذبهم أولا وما كان يبدو من فريق من المسلمين المخلصين من ميل أو تضامن أو موالاة للمنافقين أو اليهود ثانيا. وأن الآيتين الأولى والثانية جاءتا تمهيدا لما احتوته بقية الآيات من صور وتنديد وتحذير. وأن تأويل كلمة (الكافرين) في الآيات باليهود هو الأوجه. وأن المخاطبين في الآية [١٤٠] هم فريق من المؤمنين المخلصين. وأن هذه الآية والآية [١٤٤] قد جاءتا استطرادا لتنبيه وتحذير هذا الفريق من مجالسة المنافقين أو اليهود ثم من تولي اليهود من دون المؤمنين والله تعالى أعلم.
ولقد كان بنو قريظة آخر من نكل بهم في المدينة من اليهود وكان بنو قينقاع وبنو النضير منهم قد أجلوا عنها. وكل هذا قد تمّ قبل نهاية السنة الهجرية الخامسة. وعلى هذا فعلى أقل تقدير تكون هذه الآيات قد نزلت قبل التنكيل ببني قريظة الذي كان بعد وقعة الخندق إن لم يكن قبل جلاء بني النضير الذي كان بعد وقعة أحد. على ما شرحناه في سياق تفسير سورتي الأحزاب والحشر.
والصورة التي احتوتها الآية [١٤١] تدل على ما كان عليه المنافقون من خبث ومخامرة. حيث كان شأنهم التربّص والذبذبة بين المخلصين والكفار الذين رجحنا أنهم كفار اليهود وحيث كانوا للأولين يقولون إذا كان النصر في جانبهم إنهم معهم وإذا كان في جانب الآخرين إنهم لم يكونوا ليحرزوا ما أحرزوه لو لم يحولوا بين المسلمين وبينهم.