ومن الجديد في الآيات كذلك حكاية دعوى اليهود بأنهم قتلوا المسيح.
ونفي الآيات قتلهم أو صلبهم إياه وتقريرها أنه شبّه لهم وأن الله قد رفعه إليه وأن الذين اختلفوا في أمره في شك كبير من ذلك. وتعليقا على هذه النقطة نقول أولا:
إن على المسلم أن يؤمن بهذه الحقائق التي يقررها القرآن ولو أن العبارة القرآنية جاءت استطرادية على ما تلهمه روحها ويدل عليه باستمرار سياق الحملة على اليهود وذكر أفعالهم وأخلاقهم بعدها. وثانيا: إن المجادلين النصارى قد يتمحلون فيقولون إن اليهود ليسوا هم الذين صلبوا وقتلوا المسيح فيكون نفي القرآن حقا بالنسبة لليهود فقط وإن الذين فعلوا ذلك الرومان والنفي لا يشملهم. وجوابا على هذا التمحل نقول إن روح العبارة القرآنية قصدت تقرير نفي القتل والصلب مطلقا وإن نسبة ذلك إلى اليهود إنما هي في اعتقادنا بسبب كون اليهود كانوا يدعون ذلك أو أن ذلك هو الذي كان قائما في الأذهان. وثالثا: إننا نعتقد أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم طوائف من النصارى كانوا يعتقدون بكل ذلك فضلا عن حقائق أخرى قررها القرآن في شأن عيسى عليه السلام امتدادا لما قبلها. وإيمان النصارى الذين كان منهم القسيسون والرهبان بالنبي والقرآن لأنهم سمعوا ما عرفوا من الحق على ما جاء في آيات سورة المائدة هذه وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) دليل حاسم على ذلك. وقد ذكر السيد رشيد رضا في سياق تفسيره للآيات التي نحن في صددها أن من الفرق القديمة النصرانية التي كانت تنكر صلب المسيح فرقة السيرنتيين والتاتانوسيين أتباع تاتانوس تلميذ الشهيد يوستينيوس. وقد أورد في سياق ذلك أن فوتيوس قرر أنه قرأ كتابا يسمى رحلة الرسل فيه أخبار بطرس ويوحنا وأندراوس وتوما وبولس وهم من حواريي المسيح ورسله وأن مما قرأه أن المسيح لم يصلب ولكن صلب غيره وقد ضحك على صالبيه. ولقد ظهر في القرن الثاني بعد الميلاد راهب نصراني