إطلاقا على ما شرحناه في مناسبات سابقة شرحا يغني عن التكرار.
وينطوي في جملة إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ حكم قرآني في هدف القتال وهو أنه ليس للإبادة وإنما هو للتأديب والتنكيل والقهر. فحينما تتحقق هذه الغاية وجب الكفّ عن القتل والجنوح إلى الأسر.
وليس من تعارض بين هذا الحكم وبين ما ورد في جملة ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الواردة في آية الأنفال [٦٧] بل وبينهما توافق. فهذه الجملة لم تمنع الأسر وإنما نبهت إلى أنه لا ينبغي أن يكون إلا بعد أن تكون هيبة النبي وقوته قد توطدتا في قلوب الأعداء ولم يبق من حرج في الأسر منهم بدلا من إبادتهم بالقتل، وحكم الجملة التي نحن في صددها قد سمحت بالأسر إذا ما أثخن المسلمون في أعدائهم وقهروهم وتحققت لهم الغلبة عليهم.
وقد أورد المفسرون»
أقوالا معزوة إلى ابن عباس وعلماء التابعين في صدد تأويل جملة حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها منها أنها بمعنى حتى تنتهي الحرب القائمة مع الكفار بتوبتهم وإسلامهم والانتهاء عن الشرك. ومنها أنها بمعنى الاستمرار في حرب الكفار إلى أن لا يكون في الأرض شرك أو حتى ينزل عيسى عليه السلام ويدخل الناس في دين الإسلام. وقد أورد البغوي في تأييد هذا القول حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال» .
ونحن نتوقف في التسليم بهذا التأويل على إطلاق. لأن هناك أحداثا يقينية الوقوع في العهد المدني تعارضه. منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفداء من أسرى بدر وأطلقهم وهم كفار وعادوا إلى مكة. وهذا ما انطوى في آيات سورة الأنفال [٦٧- ٦٩] التي مرّ شرحها ومنها مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم المشركين مع بقائهم على شركهم في صلح الحديبية الذي انطوى خبره في سورة الفتح المتأخرة كثيرا عن هذه السورة. وقد دخل نتيجة لذلك بنو بكر في صلح قريش وبنو خزاعة في صلح النبي
(١) انظر الطبري والبغوي والنسفي والخازن وابن كثير والطبرسي.