روعها ويطيب نفسها من جهة. وأن يعظم إثم الذين قادوا حملة الإفك أو خاضوا فيه أكثر من غيرهم من جهة.
ويتبادر لنا أن التنديد بالساكتين عن شيوع الخبر والمتورطين فيه من غير الذين قادوا الحملة أو خاضوا في الحديث أكثر من غيرهم وبخاصة ما جاء في الآيتين [١٥ و ١٦] ينطوي على قصد بيان ما في الحادث من إفك بديهي. وكونه مما لا يصح في العقل أن تقترف زوجة النبي إثما فاحشا وهي بنت أول بيت في الإسلام بعد بيت النبي وفي مرتبة سامية من الكرامة عند الله والنبي والمسلمين وزوجة النبي الذي كانت تعتقد أن وحي الله متصل به أولا، وأن يجرأ مسلم على التعرض لزوجة النبي وهي أمه المعنوية بنص القرآن، وفيه ذرة من الإيمان بالله ورسوله ثانيا. ومن العجيب الذي يبعث الاشمئزاز أن تحتوي الآيات كل هذه القوة والإحاطة في التنزيه والتنديد والتنبيه إلى ما لا يعقل ولا ينبغي ولا يصح، ثم يظل أعداء الإسلام يخوضون في هذه القصة خوضا ليس له من قصد غير التجريح والتشنيع.
ومع خصوصية الآيات الزمنية والموضوعية فقد احتوت تلقينات أخلاقية واجتماعية بليغة مستمرة المدى: في تقبيح التعرض لأعراض الناس وخاصة بالكذب والافتراء والخوض فيها بدون علم وبينة. وفي عدم جواز سكوت الجمهور على مثل هذا التصرف أو الانسياق في تياره بدون تروّ وتدبر. وفي وجوب الوقوف في مثل هذه الحوادث موقفا حاسما قويا فلا يسمح بذيوع الإفك والبهتان ومسّ أعراض الناس، وفي تطمين الأبرياء حتى لا ينزعجوا بمثل هذه الحوادث التي كثيرا ما تثيرها الأغراض والنوايا الخبيثة وحبّ الكيد والغفلة- وهذه كلها تجمعت في إثارة حديث الإفك كما يفهم من تفاصيل الروايات وقرائن الآيات- وحتى يقابلوها برباطة جأش وطمأنينة قلب فيكون ذلك عاملا على قتل الإفك وإحباط الكيد.