وهكذا يبدو هذا الشرط الذي يتحقق به الوعد والبشرى الربانيان رائعا جليل المعنى والمدى. وفي الوقت نفسه ينطوي على حقيقة اجتماعية خالدة وهي أن السلطان والتمكن والفوز في الدنيا مضمون دائما للذين آمنوا وعملوا الصالحات ولدينهم ومنهجهم في كل وقت وزمان.
ولقد تحققت هذه البشرى والوعد المزدوجان، أي الاستخلاف في الأرض وتمكين دين الإسلام، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه لأن شروطهما كانت متحققة في رجال العهدين رضي الله عنهم، فكان ذلك معجزة من معجزات القرآن حيث تبدل خوف المسلمين أمنا وضعفهم قوة، ومكّن الله دينهم فلم يتوفّ نبيه إلا وهو منتشر في جميع أرجاء الجزيرة العربية، وأخذ يطرق أبواب الأقطار المجاورة، وصار للإسلام دولة نافذة الأمر والسلطان في الشؤون القضائية والتشريعية والجهادية والاقتصادية والتنظيمية تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحت راية خلفائه الراشدين الذين ساروا على طريقته، فظلت المعجزة مستمرة في عهدهم فانتشر الإسلام في جميع الأقطار المجاورة لجزيرة العرب من الشمال والجنوب وقام السلطان الإسلامي النافذ في تلك الشؤون قويّا منصورا واندحرت أمامه قوى الظلم والطغيان. ثم ظلّ هذا مستمرّا ما استمر حكام المسلمين ورجالهم على الطريقة حتى صار السلطان الإسلامي والدين الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى شاملين لمعظم ما كان معروفا من أرجاء المعمورة في مشارق الأرض ومغاربها من حدود الصين والهند شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا مع امتداد عظيم في الشمال والجنوب من هذه الساحة الشاسعة على اختلاف أجناس سكانها وألوانهم وأديانهم.
ونحن مؤمنون بأن وعد الله المطلق يظل يتحقق للمؤمنين وللدين الإسلامي في كل زمان ومكان إذا ما تحققت فيهم الشروط التي احتوتها هذه الآيات. وساروا على ما رسمه الله ورسوله في الكتاب والسنّة وأوجباه عليهم من خطط وأخلاق اجتماعية وسياسية وشخصية وجهادية وتضامنية وأسرية وتبشيرية وسلوكية وتنظيمية بكل إخلاص وجدّ.