فأتت رسول الله، فقال: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها «١» .
والروايات محتملة الصحة. لأن التشريع والتأديب القرآني كان ينزل في كثير من الظروف جوابا على الأسئلة والاستفتاءات والمراجعات على ما مرّ في مناسبات كثيرة. وعلى كل حال فالآيتان فصل تشريعي واحد احتوى ما شكي للنبي صلى الله عليه وسلم منه، واحتوى تتمة له.
ولقد أباحت الآية [٣١] من هذه السورة للمرأة إبداء زينتها ومفاتنها للأطفال الذين لم يبلغوا سنّ الشهوة وللعبيد. فالظاهر أن هذه الإباحة استتبعت السماح باستمرار دخول هؤلاء على النساء في أي وقت وبدون استئذان، فكانت المراجعة، فنزلت الآيات للاستدراك. وجاءت عبارتها مطلقة ليشمل التأديب الذي احتوته الرجال والنساء معا. وهو تأديب رفيع في التزام واجب الحشمة والحياء حتى أمام الأطفال والخدم.
والمتبادر من روح الآيات وفحواها أن إناطة الدخول في الأوقات الثلاثة بالاستئذان بالنسبة للمماليك والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم شاملة لأطفال المستأذن عليهم ومماليكهم وأطفال ومماليك غيرهم أيضا. وإن كلمة مِنْكُمْ الواردة بعد جملة لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ في الآية الأولى وبعد كلمة الْأَطْفالُ في الآية الثانية هما أسلوبيتان. لأنه لا يصح أن تؤخذ الكلمة على أن المقصود هم أطفال ومماليك المستأذن عليهم فقط. فإذا كان هؤلاء يطلب منهم الاستئذان قبل الدخول فيكون هذا بالنسبة للغرباء أولى.
وجملة وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ متساوقة مع الآية [٢٧] من السورة التي توجب الاستئناس والاستئذان على كل من يريد أن يدخل بيتا غير بيته والتي شرحناها قبل. وجملة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ تعني الذين بلغوا الحلم قبلهم، وهم الذين أوجبت الآية [٢٧] عليهم
(١) انظر تفسير الآيات في الزمخشري والبغوي والخازن.