الإبل الحفل (أي المملوءة باللبن) فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه فإذا أيس ولم يجد أكل.
وإلى هذه الروايات روى المفسرون عن ابن عباس وغيره أقوالا في مدى الفترة الأولى من الآية بنوع خاص. منها أن الأصحاء كانوا يتعززون أو يتقززون من الأكل مع المرضى والعميان والعرج. ومنها أن هؤلاء كانوا يتحرجون من الأكل مع الأصحاء تفاديا من التعزز والتقزز. ومنها أن الأصحاء حينما كانوا يخرجون إلى الجهاد يتركون مفاتيح بيوتهم مع هؤلاء الذين يتخلفون عادة عن الجهاد ويبيحون لهم الأكل مما في البيوت ولكنهم كانوا يتحرجون من ذلك فأنزل الله الآية يرفع الحرج.
والروايات لا تتسق تماما مع مفهوم ومدى الآية كلها وإن كان بعض الأقوال تتسق مع بعض فقراتها.
والذي يتبادر لنا أن الآية متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا. وهي بسبيل تعليم آداب السلوك مثلها. ومن المحتمل أن يكون بعض المسلمين وقعوا في حرج ما بشؤون متصلة بما احتوته الآية فاستفتوا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت. ومن المحتمل أن تكون نزلت مع الآيات الثلاث السابقة التي قبلها لأنها من موضوعها كما أن من المحتمل أن تكون نزلت عقبها فوضعت في ترتيبها للتناسب الموضوعي والظرفي.
أو تكون نزلت في ظرف آخر فوضعت في ترتيبها للتناسب الموضوعي.
ولقد انطوى في الآية مبدأ قرآني جليل وهو رفع الحرج عن المسلمين في هذه الأمور وأمثالها. وترك التصرف فيها إليهم وقعا لما تمليه الظروف وتطيب به النفوس بدون تقيد بأشكال وصور معينة مع التنبيه على حسن المعاشرة وتبادل السلام والتمنيات الطيبة لما في ذلك من توطيد المودّة والإلفة بينهم، ومع التنبيه كذلك على الرفق بالضعفاء والفقراء وأصحاب العاهات والأعذار وتطييب نفوسهم وتطييب النفوس إزاءهم. وكل هذا متسق مع التشريع القرآني العام.
والخطاب في الآية مطلق. وليس فيه ما يفيد تخصيص الرجال به بحيث الجزء الثامن من التفسير الحديث ٢٩