فقط وأنها نسخت بآية التوبة هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا [٢٨] وبالآية الخامسة المذكورة آنفا أيضا. ومنها أن المنسوخ منها هو القلائد التي كان الحجاج يتقلدون بها خوفا من الاعتداء لأن الآية حرّمت إخافتهم. ومنها أن الآية في حق المسلمين وأنها محكمة لم ينسخ منها شيء.
والعجيب في هذه الروايات أن الذين يروونها رووا وقالوا إن سورة المائدة نزلت دفعة واحدة وإنها آخر ما نزل من القرآن! وننبه على أنه ليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الصحاح. ولقد رجحنا أن جملة آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ هن في صدد الحجاج المسلمين استلهاما من باقي الآية وهذا ما يجعلنا نتوقف في نسخها بآيات التوبة. وحتى على فرض أنهم من المشركين فإن الآية [٥] من سورة التوبة هي في صدد قتال المشركين الناكثين وقد استثنى سياقها المشركين المعاهدين المستقيمين على عهودهم وأمر بالاستقامة لهم ما استقاموا على ما شرحناه في مناسبات سابقة.
وليس في آيات التوبة ولا في آيات أخرى ما يمكن أن يدل على نسخ للقلائد سواء منها ما روي أنه قلائد الحجاج أم أنه قلائد الأنعام. وقد تكون القلائد بنوعيها قد أهملت بعد الفتح لأن كلمة الله أصبحت هي العليا وسلطان النبي أصبح هو النافذ وصار الحج مقصورا على المسلمين وحظر دخول المشركين للحرم وصار الهدي والحجاج في أمن وسلام فكان القول بالنسخ تطبيقا للممارسة وليس مستندا إلى نصّ، والله تعالى أعلم.
هذا، ومع خصوصية الآيتين الزمنية والموضوعية فإن الفقرات الأخيرة من الآية الثانية بخاصة احتوت تلقينا جليلا مستمر المدى. سواء أفي النهي عن التأثر ببغض قوم ما وجعله وسيلة أو مبررا للعدوان والإثم والضرر ولو كان على جماعة من غير المسلمين إذا كانوا مسالمين أو حياديين أو معاهدين، أم في بيان ما هو الأمثل بالمسلمين من التعاون على البرّ والتقوى وإيجابه، أم في تشديد الإنذار