والأحاديث التي ساقها ابن كثير والبغوي في حلّ الصيد الذي يأكل منه الجارح أو الكلب لم تحلّ الخلاف بين الفقهاء.
حيث ظل بعضهم يذهب إلى التحريم مطلقا وبعضهم إلى الحل مطلقا. وقد توسط بعضهم فقال بالحلّ في حالة الجوع. والأحاديث التي تحرم أكل ما أكل منه الكلب أقوى سندا كما هو ظاهر. والقول يحلّه في حالة الجوع وجيه ومتسق مع المبدأ العام الذي يحلّ أكل المحرم في حالة الاضطرار والمخمصة والله تعالى أعلم.
هذا، ومع أن تعبير قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ قد يكون في مقامه قاصرا على الأنعام والطيور التي يسوغ أكلها فإن فيه معنى الجواب المبادر القوي العام والشامل لكل طيب. وهذا متسق مع التلقين القرآني المنطوي في آيات عديدة مكية ومدنية «١» من توخى الشريعة الإسلامية- قرآنا وسنة- تحليل الطيبات جميعها.
والطيبات كما هو المتبادر هي كل ما لم ينص الشارع على تحريمه. وهي من هذا الاعتبار واسعة النطاق جدا. لأن ما نصّ الشارع من قرآن وسنّة على تحريمه محدود جدا. وهكذا ينطوي في العبارة القرآنية ما انطوى في كثير من الآيات من تيسير التشريع القرآني للمسلمين. ويلمس في كلمة الطيبات معنى تصوري رفيع في صدد تهذيب نفس المسلم وذوقه. وتنزيههما عن كل مستكره في المأكل والمشرب وسائر شؤون الحياة. وفي هذا الذي تكرر في القرآن بأساليب متنوعة ومواضيع عديدة ما فيه من روعة وجلال.
وفي سياق جملة وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ واعتبارها شاملة لكل شيء حينما يراد أكله أورد ابن كثير أحاديث نبوية عديدة. منها ما ورد في بعض الكتب الخمسة. من ذلك حديث رواه الترمذي والإمام أحمد عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنّه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم. فإذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله فإن