الحكم الظاهرة والمستنبطة شامل الاستمرار والمدى في كل ظروف المسلمين وأمكنتهم. وفي هذا ما فيه من التوجيه الحكيم في صدد التقريب والتيسير والتأليف والتأنيس بين المسلمين والكتابيين وبخاصة حينما يكون هؤلاء منسجمين مع المسلمين في تواد وتفاهم. ولا يكون منهم مواقف عدائية ومكائد ونوايا مريبة ضد المسلمين يخشى عواقبها في ظروف ومظاهر الحياة الخاصة والعامة.
ولقد أورد المفسرون «١» أقوالا كثيرة معظمها معزو إلى ابن عباس وعلماء التابعين وتابعيهم في صدد ما انطوى في الآية من أحكام نوجزها ونعلّق عليها كما يلي:
أولا: في صدد الطعام:
١- مع ما قلناه من أن أهل التأويل القدماء فهموا من جملة وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ أن المقصود هو ذبائحهم فقد رووا عن ابن عباس وأبي الدرداء والشعبي أن الجملة عامة الشمول. وفيها إباحة أكل جميع طعام أهل الكتاب على اختلاف أنواعه. واستدرك بعضهم فقالوا إن ما يحلّ لنا من طعامهم هو ما هو حلال لهم في شريعتهم. واستدرك آخرون فقالوا إن ما هو محرّم علينا نصّا يظل محرّما علينا لو قدموه لنا ولو كان حلالا في شريعتهم كالميتة حتف أنفها أو ما يموت من نهش السباع أو وقذا أو نطحا أو تردّيا أو خنقا ولحم الخنزير والدم المسفوح أو ما يدخل الخمر فيه من طعام وما ذبح على سبيل الميسر. وهذه المحرمات وردت في الآية الثالثة من السورة وآية أخرى وردت في هذه السورة وفيها إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) وهناك محرّمات أخرى وردت في أحاديث نبوية وأوردناها في سياق تفسير الآية [١٤٥] من سورة الأنعام.
والقول الأول هو مقتضى الآية. والاستدراك الثاني هو حقّ وصواب.
وتكون القاعدة أنه لا يجوز للمسلمين أن يأكلوا طعاما من أهل الكتاب محرّم
(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والطبرسي وابن كثير الزمخشري والخازن والنسفي والنيسابوري.