للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي كتب التفسير «١» بيانات كثيرة منها ما هو مطابق مع ما جاء في سفر العدد ومنها ما لا يتطابق ومشوب بالمبالغة. ومن ذلك مثلا أن واحدا من الجبارين اسمه عوج الذي تذكر بعض الروايات «٢» أن طوله كان ٣٣٣٣ ذراعا حمل الاثني عشر مندوبا بيده وعلى رأسه حملة حطب وانطلق بهم إلى امرأته فقال لها انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا فطرحهم بين يديها وقال لها ألا أطحنهم برجلي فقالت بل خلّ عنهم حتى يخبروا بما رأوا. والبيانات التي يوردها المفسرون معزوة إلى رواة الأخبار في الصدر الإسلامي الأول حيث يدل هذا على أن العرب في زمن النبي كانوا على علم إجمالا بهذا الحادث عن طريق اليهود كما هو المتبادر.

ولقد وقف المفسرون عند جملة وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ فرووا عن ابن عباس وغيره أن الجملة تعني ما اختصوا به من تظليل الغمام وتنزيل المنّ والسلوى وتفجير عيون الماء من الحجر بضربة عصا موسى. وقالوا إلى هذا إن كلمة الْعالَمِينَ إنما تعني العالمين في ذلك الزمن وليس كل زمن لأن الله تعالى آتى أمة محمد صلى الله عليه وسلم من النعم والكرامة ما لم يؤت بني إسرائيل. والمتبادر أن هذا التأويل هو الأوجه وهو حقّ وصواب.

ولقد وقفوا كذلك عند جملة وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وقالوا إنها لا تعني الملك بمعناه الشهير بدليل أن الكلمة شاملة لجميع بني إسرائيل. ولو أريد ذلك لجاءت الجملة (وجعل منكم أو فيكم ملوكا) كما جاءت الجملة التي قبلها وإنما عنت ما تيسّر لهم من حرية وملك نفس بعد الاستعباد الطويل في مصر. ورووا إلى هذا عن أنس بن عياض أنه سمع زيد بن أسلم يقول في تأويل الجملة لا أعلم إلّا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من كان له بيت وخادم فهو ملك» وأوردوا حكاية من هذا الباب جاء فيها أن عبد الله بن عمرو سأل شخصا شكى الفقر: هل لك بيت تسكنه وامرأة تأوي إليها. قال نعم. فقال له إنك لست فقيرا. فقال وإن لي خادما أيضا فقال له


(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي إلخ.
(٢) في تفسير الطبري صور عديدة أخرى مماثلة لهذه الصورة أو بديلة عنها أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>