عبد الله بن عمرو قال «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلّق فقال من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثله والعقوبة. ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجنّ فعليه القطع.
ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثله والعقوبة» «١» .
٨- ولقد فسّر شراح الحديث كلمة (العقوبة) في هذا الحديث بالتعزير حتى يرتدع السارق. ويكون في تعزيره عبرة لغيره. وقد أوجب العلماء بناء على ذلك تعزير سارق ما هو أدنى من النصاب من المال المحرز. وهذا حقّ. فالجريمة مهما تفهت لا يجوز أن تذهب بدون عقوبة.
غير أن حديث عبد الله بن عمرو الذي يسمح لذي الحاجة بأكل الثمر من البستان بدون عقوبة بفتح الباب للسؤال عن حكم السارق الذي يسرق عن عوز شديد لسدّ جوعه أو جوع عياله إذا ما ثبت ذلك لدى الحاكم. ولقد أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدم قطع سارق سرق في عام قحط ليسدّ جوعه. ولقد حرم الله أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به واستثنى المضطر في حالة الجوع وخطره وعفا عنه. فهلا يصح أن يقال بجواز إعفاء مثل هذه الحالات الاضطرارية إذا ثبتت لدى الحاكم ولم تعد عند صاحبها حرفة. ولم تعد نطاق الاضطرار. ونحن نميل إلى الإيجاب استئناسا بالتلقين القرآني والنبوي والراشدي.
ولا سيما إذا لاحظنا واقع أمر حكام المسلمين وأغنيائهم. فقد جعل القرآن للفقراء والمساكين والأرقاء والمعسرين أنصبة وحقا في كل مورد من موارد بيت المال من فيء وغنائم وصدقات- أي الزكاة- وأوجب على الحكام والأغنياء أداءها لهم بحيث لو فعلوا ذلك بحقّ لاكتفى كل ذي حاجة ولقضي على العوز والجوع، فلم يقوموا بما أوجبه الله عليهم وبقي الفقراء والمساكين مرتكسين في أشدّ حالات البؤس والعوز والشقاء. والله تعالى أعلم.
(١) التاج ج ٣ ص ٢٠. والخبنة أي أن يملأ طرف ثوبه أو إزاره أو وعاء ما والجرين محل تخزين أو تجميع التمر.