يقول الحمد لله الذي طهّرني منك. أردت أن تدخلي جسدي النار» والشخصان على ما تلهمه روح الحديثين قد تابا قبل أن يرفع أمرهما إلى النبي ويعتقلهما بالسرقة. ومع ذلك فقد طبق عليهما الحدّ واعتبرت توبتهما دينية لله تعالى.
ولا يفوتنا أن ننوّه بما في الحديثين من صورة رائعة لما كان من تأثير القرآن والوعظ النبوي في أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم حتى الثانويين منهم ...
ومع ذلك فهناك حديث يرويه الإمام مالك جاء فيه «إن سارقا سرق رداء لصفوان بن أمية وهو متوسد في مسجد فلحق به فأمسكه وأخذه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يده. فقال صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله. هو عليه صدقة فقال رسول الله فهلّا قبل أن تأتيني به»«١» حيث ينطوي في الحديث صورة أخرى لأحكام رسول الله يستفاد منها سواغ سقوط الحدّ عن السارق إذا أسقط المسروق منه حقه قبل رفع الأمر للحاكم.
١٤- ولقد نبه الذين يقولون بسقوط الحدّ بالتوبة أو العفو على أن ذلك ليس من شأنه إسقاط الغرامة عن السارق. وهذا وجيه. ولعل الجملة القرآنية فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ تنطوي على ذلك بالإضافة إلى معنى إصلاح النفس بالتوبة والندم.
هذا، ومن الناس من ينتقد عقوبة قطع يد السارق غير أن من المشاهد المجرب أن كثيرا من اللصوص يقدمون على السرقة كأسهل وسيلة إلى حيازة المال والاستمتاع أكثر من أن تدفعهم الحاجة الشديدة وقد أصبحوا بسبب ما يلقونه من خفة العقوبات الحديثة محترفين لا يمتنعون عن معاودة مهنتهم المرة بعد المرة مستهترين بأمن الناس وأموالهم وغير مفكرين في البحث عن الكسب الحلال وكثير منهم قادرون على ذلك. فقطع أيدي أمثال هؤلاء قد يكون أقوى رادع لهم. وفيه عبرة قوية لغيرهم من دون ريب مع التذكير بملاحظاتنا في الفقرة الثامنة.