وحسب. ومن الجدير بالذكر أن في الأناجيل المتداولة ما يفيد أن شريعة التوراة تظل شريعة للنصارى مما لم ينسخه عيسى رأسا أو بأمر الله. فيكون لهم أن يتحاكموا أيضا بشريعة التوراة والله أعلم.
ولقد رأينا ابن كثير يذكر في سياق تفسير الجملة التي نحن في صددها أنها توجب على النصارى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن الإنجيل يحتوي بشارة به.
ومع وجاهة هذا القول في ذاته فالمتبادر أن الجملة هي في صدد التحاكم القضائي لأن هذا هو مقتضى السياق. ودعوة القرآن للنصارى إلى الإيمان برسالة النبي وكونها لهم في جملة الناس وإيجاب الإيمان بها عليهم وتقرير كونهم يجدون صفاته في التوراة والإنجيل وكون عيسى قد بشّر به قد انطوى في نصوص قرآنية بأسلوب أصرح. وقد فهمها طوائف كبيرة من النصارى على هذا الوجه وآمنوا بها على ما شرحناه في سياق تعليقنا على الآية [١٥٧] من سورة الأعراف وغيرها.
هذا وهناك مسألة قد تتفرع عن السماح لليهود والنصارى بالتقاضي فيما بينهم وفق كتبهم وهي حالة غير المسلمين الذين يعيشون في كنف السلطان الإسلامي ذميين ومعاهدين فإنهم قد لا يكونون جميعا يهودا ونصارى وقد يكون منهم من هو منتسب إلى ملل أخرى. ويتبادر لنا أن حكمة اختصاص اليهود والنصارى والتوراة والإنجيل بالذكر هي كونهم الذين كان للعرب بهم الاتصال الأوثق والأوسع قبل الإسلام. وقد ألممنا بمسألة مماثلة في سياق الآية الخامسة من هذه السورة ونقول هنا ما قلناه هناك إنه إذا ادّعت ملّة من الملل التي تعيش في كنف السلطان الإسلامي أن عندها كتابا موحى به من الله إلى أحد أنبيائها فيه شرائع لها وأظهرته وكان عليه سمة من سمات الكتب السماوية بقطع النظر عما يكون فيه من مخالفات للقرآن لأن هذا شأن الأسفار التي يتداولها اليهود والنصارى أيضا فليس للمسلمين أن يكذبوها ويصحّ أن يعاملوا أهلها في هذه المسألة على ذلك الأساس أيضا. أما إذا كان هناك ملّة ليس لها كتاب تدعي أنه سماوي منزل على نبي دون دليل قوي من واقع ونصّ فينطبق عليها وصف الجاهلية الوارد في الآية [٥٠] التي تأتي في