قد نزلت في عهد قوة اليهود في المدينة. ولقد احتوت الآيات التي سبقت هذه الآيات صورا من مواقف اليهود وانحرافاتهم وواقعهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. واستدللنا منها على أنها نزلت في عهد قوة اليهود في المدينة أيضا. وهكذا يمكن أن يكون تقارب ما بين ظروف نزول تلك الآيات وهذه الآيات وأن يكون وضع هذه الآيات عقب تلك بسبب ذلك. والله أعلم.
والنهي في الآية الأولى قد شمل اليهود والنصارى في حين أن الروايات من جهة وروح الآيات ثم روح آيات أخرى تأتي بعدها من جهة تفيد أن اليهود هم أصحاب الموقف الفعلي. وهذا مما يؤيده واقع الأمر حينذاك من حيث كون اليهود هم الذين كانوا كتلا قوية في المدينة وكان بينهم وبين بطون الأوس والخزرج محالفات وهم الذين يمكن أن يتخذهم بعض المسلمين أولياء ليحتاطوا بولائهم ومصانعتهم من الطوارئ والدوائر دون النصارى الذين لم يكونوا كتلة قوية في الحجاز ولم يكن لهم نتيجة لذلك محالفات مع العرب في المدينة وسائر الحجاز وهذا يسوغ القول إن ذكر النصارى إنما جاء من قبيل الاستطراد والتعميم ليتناول النهي الحالات المماثلة مما جرى النظم القرآني عليه.
وفي صدد جملة بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ قال الطبري إنها تعني أن بعض اليهود أنصار بعضهم الآخر وأن بعض النصارى أنصار بعضهم الآخر. وهذا وجيه يزول به ما قد يحيك في الصدر من إشكال كونها تعني تحالف اليهود والنصارى معا. وهو ما كان مغايرا لواقع الأمر حين نزول الآيات استمرارا لما كان قبل، حيث كان العداء قائما بين أهل الديانتين.
ويلحظ أن النهي عن تولي اليهود والنصارى قد جاء بدون تعليل. وفي الآيات التالية آيتان فيهما تكرار للنهي مع بعض أسبابه وهي أنهم كانوا يتخذون دين المسلمين وأذانهم وصلاتهم هزوا ولعبا. والآيات التالية هي استمرار لهذه الآيات.
وهذا يسوغ القول أن هذه الأسباب واردة بالنسبة للنهي الوارد بدون تعليل في هذه الآيات. ويسوغ القول بالتبعية أن النهي في الدرجة الأولى هو بالنسبة لمن يقف من المسلمين ودينهم هذا الموقف.