للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآية في حد ذاتها احتوت صورة بشعة عن سوء أدب يهود المدينة في حياة النبي في حقّ الله تعالى. وصورة ثانية عن شدة الغيظ الذي ملأ صدورهم من النبي صلى الله عليه وسلم وقوة مركزه وانتشار دعوته ورسوخ قدمه. وصورة ثالثة عن المكائد والدسائس التي ينصبونها ويبثونها ضده وضد دعوته ومركزه أيضا وصورة رابعة عن تطور حالتهم الاقتصادية من حسن إلى سوء.

ولعل الكلمة التي صدرت عن بعضهم وكانت كما قلنا تعبيرا عما في صدورهم جميعهم قد صدرت في ثورة من ثورات الغيظ المشتد فيهم الذي احتوت الآية إشارة إليه. والمتبادر أن التفاف الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم وازورارهم عن اليهود قد أثر تأثيرا غير يسير في نشاط اليهود الاقتصادي ومجال الاستغلال الذي كانوا يجولون فيه بين العرب وجعلهم يشعرون بالضيق بعد السعة التي كانوا يتبجحون بالغنى نتيجة لها حتى جعلهم ذلك يقولون كلمة بشعة أخرى فيها سوء أدب إزاء الله تعالى وهي إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ على ما حكته الآية [١٨١] من سورة آل عمران فكان ذلك من أسباب هذا الغيظ أيضا. وفي هذا صورة من تطور حالهم.

ولعل في الآيات التالية قرينة ما على ذلك.

ولقد قلنا في سياق تفسير سلسلة الآيات الواردة في اليهود في سورة البقرة إن تجهمهم من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومواقفهم المناوئة له بمختلف الأساليب قد كانت متأتية من حسبانهم حساب ما سوف يكون لانتشار دعوته واشتداد قوته من أثر في المركز الممتاز الذي كان لهم بين العرب وبخاصة في المدينة اقتصاديا واجتماعيا ودينيا. وفي هذه الآية وما فيها من صور مصداق لذلك.

وبعض المفسرين قالوا إن جملة وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ هي في صدد ما بين اليهود والنصارى من عداوة وبغضاء لا تنقطعان. وعزوا هذا القول إلى مجاهد. وقال بعضهم إنها في اليهود خاصة لأنهم كانوا منقسمين في الدين طوائف يعادي بعضهم بعضا «١» .


(١) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي ففي بعضها قول وفي بعضها القولان.

<<  <  ج: ص:  >  >>