المقصود بها تطمينه من قريش الذين كان يهابهم. وروي عن محمد بن كعب القرظي أن جملة وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ نزلت في مناسبة مجيء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو وحده في ظل شجرة فاخترط سيفه ثم قال من يمنعك مني؟ قال:
الله، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه وضرب رأسه بالشجرة حتى انتثر دماغه فأنزل الله الجملة. وروى ابن كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسه فقال: إن الله قد عصمني من الجنّ والإنس» . وروى البغوي عن الحسن أن الله لما بعث رسوله ضاق ذرعا وعرف أن من الناس من يكذّبه فأنزل الله الآية. وقال البغوي بعد هذه الرواية وقيل إنها نزلت في عتب اليهود حيث دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فاستهزأوا به وقالوا تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى فسكت عنهم فنزلت.
وقيل إنها نزلت في قضية الرجم والزنا اليهودية. وقيل إنها نزلت في مسألة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش. وقيل في الجهاد حيث كرهه المنافقون وكان النبي يمسك أحيانا عن الحثّ عليه فأنزل الله الآية. وهناك روايات يرويها الشيعة سنوردها ونعلّق عليها فيما بعد. ونعلق على الأقوال والروايات السابقة فنقول إنه لم يرد شيء منها في الصحاح. والنفس لا تطمئن إلى معظمها التي يقتضي بعضها أن تكون الآية نزلت متفرقة في مناسبات مختلفة. ويقتضي بعضها أن تكون نزلت في مكة. والتكلف والتلفيق ظاهران فيها. وإذا كان بعض الآيات المكية احتوى إشارة إلى ما كان يعتري النبي صلى الله عليه وسلم من أسى وضيق بتكذيب الناس ومناوأتهم له فهذه الحالة لم تعد قائمة في العهد المدني الذي قويت فيه الدعوة وكثر المسلمون وتبدل حالهم من الضعف إلى القوة. ولم ترو رواية ما بأن الآية مكية. وهذا فضلا عن أن ما أشارت إليه الآيات المكية من أسى النبي صلى الله عليه وسلم وضيقه لم يكن خوفا من الناس يحمله على عدم تبليغ ما أنزل إليه. ولقد أنزل الله عليه في مكة آيات كثيرة فيها إنذارات قارعة وحملات قاصمة ونعوت لاذعة فكان يتلوها علنا دون ما خوف من زعماء قريش وأغنيائهم الأقوياء وجماهير الناس الذين رضخوا لتحريضهم