فقالوا ألست تزعم أنك على ملّة إبراهيم ودينه وتؤمن بالتوراة وتشهد أنها من الله حقّ قال بلى. ولكنكم أحدثتم وجحدتم وخالفتموها وكتمتم ما أمر الله أن تبينوه منها للناس وأنا بريء من إحداثكم فقالوا له فإنا نأخذ بما في أيدينا وهو الحقّ والهدى. ولا نؤمن بك ولا نتبعك، فأنزل الله الآية.
والرواية لم ترد في الصحاح، والمتبادر المستلهم من فحوى آيات السياق السابق أن الآية لم تنزل لحدتها بمناسبة ما روته الرواية. وأنها جزء من السياق واستمرار له. ففي الآيات السابقة وجّه اللوم إلى أهل الكتاب وقيل لهم لو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل الله على النبي الذي هو موجّه إليهم لحسنت حالتهم، فجاءت هذه الآية لتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ما احتوته. ولعل الآية السابقة لهذه الآية- على ضوء هذا الشرح الذي نرجو أن يكون صوابا- جاءت بمثابة تمهيد وتشجيع. وكأنما أرادت أن تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إن عليه أن يقول هذا لأهل الكتاب بكل جرأة وصراحة وبدون تردد ولا حسبان ما يحدثه في كثير منهم من ازدياد الكفر والطغيان. فالله عاصمه وحاميه منهم ومن غيرهم.
وهذا لا يمنع صحة المحاورة المروية في الرواية بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود في مجلس من المجالس قبل نزول الآيات.
وإذا صحت الرواية فيكون فيها تأييد لما قلناه أكثر من مرة من أن ذكر النصارى والإنجيل في السياق قد جاء من قبيل الاستطراد والتعميم. وأن المقصود في الدرجة الأولى في السياق هم اليهود. والله أعلم.
وما قلناه قبل في صدد مدى الحثّ على إقامة التوراة والإنجيل في سياق الآية [٦٦] ينسحب على ما جاء من ذلك في هذه الآية. وجملة لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ليس من شأنها أن تضعف ما قلناه أو تنقضه ما دامت مقترنة بنفس الجملة السابقة وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ على ما شرحناه سابقا. وشرح الآية المستلهم من روحها وفحواها بالإضافة إلى الشرح السابق للآيتين [٦٥ و ٦٦] المستلهم كذلك من روحهما وفحواهما ينطوي على دلالة تكاد