(٣) وتقرير حقيقة المسيح وأمه. فهو رسول مثل سائر الرسل الذين سبقوه.
وأمه صدّيقة مؤمنة. وكلاهما بشر مثل سائر البشر وكانا مثلهم يأكلان الطعام.
(٤) وسؤالين استنكاريين وتنديديين موجهين للنصارى: فهل يجوز أن يعبدوا من دون الله ما لا يملك لهم ضرّا ولا نفعا. وهل لا ينبغي لهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله من أقوالهم. وهو الغفور الرحيم الذي يقبل توبة التائبين إليه. أما الذين يظلّون منحرفين ظالمين أنفسهم فليس لهم أنصار ينصرونهم من الله.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة بنزول هذه الآيات أيضا. والمتبادر أنها متصلة هي الأخرى بالسياق السابق اتصال تعقيب وتنديد وتذكير وإنذار.
ومع أن الآية الأخيرة قد تلهم أن الخطاب الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهه فيها إلى النصارى كان وجاهيا وعلى سبيل التنديد الجدلي. فإن السياق السابق واللاحق يلهم أن هذه الآية منسجمة مع سائر الآيات. ويجعلنا نرجح أن السؤال فيها أسلوبي وعلى سبيل التنديد من جهة وعلى سبيل تعليم النبي بما يوجهه من حجة مفحمة للنصارى من جهة أخرى. ويتبادر أنها جاءت من باب الاستطراد لبيان انحراف النصارى أيضا عن الإنجيل ودعوة المسيح كما انحرف اليهود. ولتوكيد كون أهل الكتاب اليهود والنصارى معا ليسوا على شيء ما داموا لا يقيمون التوراة والإنجيل على ما قررته الآية [٧٢] بالإضافة إلى عدم اتباع ما أنزل الله إليهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
والفقرة الأولى من الآية الأولى وردت في الآية [١٧] من هذه السورة.
وعلّقنا عليها بما يغني عن التكرار. ولقد علّقنا على موضوع التثليث الذي تضمنته الآية الثانية وعقيدة النصارى بأن الآلهة ثلاثة في سياق الآية [١٧١] من سورة النساء بما يغني كذلك عن التكرار. وإن كان من شيء نزيده هنا فهو تقرير الآية هنا كفر الذين يثلثون الآلهة ويقولون إن الله الذي هو في عقيدتهم واحد من الأقانيم الثلاثة ثالث ثلاثة. فهذا التقرير هنا جديد لأن آية النساء جاءت بأسلوب التنديد والاستنكار والنهي.