ولقد قال ابن كثير إن هذا المشهد هو للذين ذكر إيمانهم بالنبي والقرآن في آيات آل عمران [١٩٩] والإسراء [١٠٧ و ١٠٨] والقصص [٥٢- ٥٥] وهذا القول يؤيد تسويغنا أيضا وإن كنا نرجح أنه مشهد آخر لوفد قادم إلى المدينة من الخارج في حين أن المشاهد المذكورة في آيات سور آل عمران والإسراء والقصص هي على الأرجح لأناس كانوا مقيمين بين ظهراني المسلمين في مكة والمدينة. وإنه ليصحّ أن يقال بناء على ذلك إن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم قد انتشرت إلى خارج الجزيرة فأثارت الأفكار ولفتت الأنظار وجعلت بعض رهبان النصارى وقسيسيهم وبتعبير آخر علماءهم الذين يستطيعون الحجاج والجدل ووزن الأقوال ويرغبون في معرفة وقائع الأمور وحقائقها والوقوف عليها بأنفسهم يفدون إلى المدينة ليروا هذا النبي ويسمعوا منه ويحاجوه ويجادلوه. وقد تأثر الوافدون بما رأوا وسمعوا ولمسوا من قوة الحق والروحانية والتطابق مع ما جاء به رسل الله السابقون فصدقوا وآمنوا.
وخطورة هذا الحادث عظيمة جدا كما هو المتبادر من حيث سير الدعوة النبوية والسيرة النبوية. ومن المحتمل جدا أن يكون لكتب النبي صلى الله عليه وسلم ورسله الذين أرسلهم أثر في هذه الوفادة.
وإذا ما أضفنا هذا المشهد إلى ما احتوته آيات آل عمران والإسراء والقصص المذكورة آنفا ثم آيات البقرة [١٢١] وآل عمران [١١٣- ١١٥] والنساء [١٦٢] والرعد [٣٦] والأحقاف [١٠] التي تذكر إيمان بعض أهل الكتاب وأهل العلم منهم من يهود ونصارى بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالقرآن يظهر أن هذه المشاهد قد تكررت في العهدين المكي والمدني في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا شهادة عيان قوية صادقة على ما كان لروحانية القرآن وروحانية النبي وروحانية الدعوة من تأثير في كل من كان يسمعها بعقله وقلبه ومنطقه وكان رائده الحقّ والهدى ولم يكن خبيث الطوية متعمدا للعناد والجحود من الكتابيين وعلمائهم ورؤساء دينهم في مقدمتهم. وهذا هو الذي قرره القرآن في صدد مستمعي آيات القرآن والدعوة النبوية إذا كانوا من الفئة الأولى كما جاء في آيات عديدة منها آية سورة يس [١١] هذه إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ