يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرّمت عليّ اللحم فأنزل الله الآية» «١» . ومع ذلك فإن الطبري يروي رواية أخرى كسبب لنزولها جاء فيها «أن ضيفا نزل على عبد الله بن رواحة فأخرت امرأته عشاءه إلى أن يحضر زوجها لأن الطعام قليل فلما جاء وعرف ذلك غضب وقال لن أذوقه فقالت وأنا لن أذوقه ما لم تذقه فقال الضيف وأنا لن أذوقه ما لم تذوقاه. فتراجع ابن رواحة وقال لامرأته قربي طعامك وكلوا باسم الله وغدا فأخبر النبي بالأمر. فقال له أحسنت وأنزل الله الآية» ومهما يكن من أمر فالمتبادر أن الآيات نزلت في مناسبة ما مما ذكرته الأحاديث والروايات. وإن كنا نرجح الرواية الأولى التي ذكرت الأحاديث الصحيحة محتواها وبعض الأسماء التي جاءت فيها لأنها أكثر تساوقا مع فحوى الآيات وما سبقها، وإذا صحّ هذا فتكون الآيات تليت في المناسبات الأخرى فالتبس الأمر على الرواة والله أعلم. وإذا صحّ ترجيحنا فيصحّ القول إن الآيات نزلت بعد الآيات السابقة لها فوضعت بعدها. والله تعالى أعلم. والحادث الذي ذكرته الرواية الأولى وأيدت فحواه الأحاديث الصحيحة صورة رائعة لاستغراق المؤمنين الأولين في عبادة الله والرغبة في التقرّب إليه.
والآيتان في حدّ ذاتهما احتوتا كما هو المتبادر تشريعا وتلقينا عامي الشمول للمسلمين. وهما رائعان ومتسقان مع المبادئ العامة التي قررها القرآن.
ومتمشيان مع طبائع الأمور. ومن مرشحات الشريعة الإسلامية للخلود والظهور فهذه الشريعة لا تدعو إلى التنسك والزهد في أطايب العيش بل وتنكر ذلك. وقد استنكرته آية سورة الأعراف هذه قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [٣٢] وقد عاتب الله رسوله على شيء منه في حادث عائلي على ما مرّ شرحه في سياق تفسير سورة التحريم. وكل ما تأمر به الشريعة الإسلامية هو مراعاة القصد والاعتدال وتحري الطيّب الحلال.