والرواية محتملة الصحة. ولا يبعد مع ذلك أن يكون خبر عزيمة الذين اعتزموا التنسك قد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مع خبر اليمين وأن تكون الآية قد نزلت مع الآيتين السابقتين كفصل تام فيه نهي عن تحريم التنسك وحرمان النفس من طيبات الحياة وحثّ أو إباحة للاستمتاع بالحلال الطيب وتحلة لليمين معا.
والآية في حدّ ذاتها جملة تشريعية تامة في صدد الأيمان وكفارتها. ولذلك أفردناها عن الآيتين السابقتين. وهي ثانية آية في هذا الصدد. ففي سورة البقرة آية تماثل الشطر الأول منها جاءت في معرض النهي عن اتخاذ اليمين وسيلة للامتناع عن الخير والإصلاح وتقوى الله. والآيتان متساوقتان. ويمكن أن تكون إحداهما متممة للأخرى فيما استهدفه القرآن من تلقين وتشريع في صدد أدب اليمين وتهذيب أخلاق المسلم وتوجيهه نحو الخير ومنعه أو حمايته من المزالق ومما يكرهه الله لعباده المؤمنين من أعمال ومواقف وعزائم.
ولقد روى المفسرون في صدد هذه الآية حديثا نبويا رواه الخمسة عن أبي موسى جاء فيه «والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلّا أتيت الذي هو خير وتحللتها»«١» .
وهكذا يظهر من هذا الحديث ومن آية سورة البقرة [٢٢٤] التي جاء فيها وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ شدة التساوق بين المبادئ القرآنية والتلقينات النبوية. وكون المهم في الإسلام هو عمل الخير وعدم الوقوع في الضار أو المنكر أو المكروه. فإذا حلف امرؤ يمينا على أمر يفعله أو لا يفعله وكان في تنفيذها ضرر وشرّ ومنكر ومكروه أو كان هناك ما هو خير منها فعليه الرجوع عنها مع التكفير عنها. ولا يجوز له في حال أن يتخذ اليمين
(١) التاج ج ٣ ص ٧٨ وقد أورد مؤلف التاج مع هذا الحديث حديثين آخرين من بابهما واحدا رواه مسلم والنسائي جاء فيه «والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» وآخر رواه مسلم والترمذي وأبو داود جاء فيه «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل» .