الاجتماعية. وأن هذا كان يسوق بعضهم إلى ما لا ينبغي من مواقف وعواطف وتصرفات فاقتضت حكمة التنزيل توجيه الخطاب إلى الجميع بما فيه من شدّة وإنذار وتنبيه. ولعل في الآيات التالية قرينة على هذا التوجيه على ما سوف نشرحه.
ولقد اختلفت الروايات التي رواها المفسرون «١» عن أهل الصدر الأول في ظروف إرسال الرسالة حيث روي أن حاطب أرسلها في مناسبة اعتزام النبي صلى الله عليه وسلم تسيير جيش نحو مكة بعد وقعة بدر بسنتين. وروي أنه أرسلها في مناسبة اعتزام النبي صلى الله عليه وسلم السفر إلى مكة للعمرة وهي السفرة التي أدت إلى صلح الحديبية. وروي أنه أرسلها في مناسبة اعتزام النبي صلى الله عليه وسلم على غزو مكة لفتحها بعد هذا الصلح بسنتين. وفي المقطع الثاني من السورة قرينة تكاد تكون حاسمة على أنها نزلت بعد صلح الحديبية. وهذا ما يجعلنا نرجح الرواية الثالثة.
ولعل الرواية الأولى أو الثانية هما اللتان جعلتا رواة ترتيب لنزول يرتبون نزول السورة بعد سورة الأحزاب. والله أعلم.
والآيات كما هو ظاهر احتوت تعليلا لوصف الكفار بالأعداء والنهي عن موادتهم بما كان من كفرهم وبدئهم المسلمين بالأذى وإلجائهم إلى الخروج من وطنهم وإضمارهم لهم العداء والسوء وتمنّي ارتدادهم عن دينهم وكفرهم به. وهذا متسق مع ما تكرر تقريره في القرآن ونبهنا عليه من كون موقف المسلمين العدائي نحو غيرهم هو موقف دفاع ومقابلة بالمثل وحسب. وقد انطوى فيها في الوقت ذاته مبدأ في غاية العدل والحق والتمشي مع طبائع الأمور دائما وهو عدم موادة المسلمين لأناس يبدأونهم بالعدوان والأذى ويضمرون لهم الشر والسوء وعدم جواز اطلاعهم على أسرارهم. ووجوب الوقوف منهم موقف الحذر والاستعداد وفي هذا وذاك تلقين مستمر المدى للمسلمين في كل ظرف ومكان.
وفي التصرف الذي تصرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث الذي قاله في حق أهل
(١) انظر الطبري والبغوي والنيسابوري والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.