للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونصب لهم من أدلة فصار كل عاقل راشد بمثابة معاهد لله على الإيمان به بما وهبه من عقل ورشد. ومن هذه الأقوال ما ساقه بعض المفسرين قولا لهم «١» .

ويتبادر لنا أن الأوجه أن تكون كما ذكرنا قبل في صدد تذكيرهم بمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام حيث يكونون بذلك قد أعطوا الله عزّ وجل ميثاقا على الإيمان والإخلاص والتضحية والبذل والجهاد والطاعة في المعروف. والله أعلم.

ومع أن هناك من قال إن الفتح المذكور في الآية [١٠] هو فتح الحديبية- وقد سماه الله فتحا في سورة الفتح- فإن معظم أهل التأويل والمفسرين متفقون على أنه فتح مكة «٢» . وحديث الإمام أحمد ثم حديث أبي سعيد اللذان نقلناهما عن ابن كثير مما يؤيد ذلك لأن خالد بن الوليد كان في يوم الحديبية مشركا محاربا للنبي والمسلمين. وهذا فضلا عن أن هناك وقائع عديدة بعد الحديبية قاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون وبذلوا جهودا ونفقات عظيمة في سبيلها كما أن الزحف على مكة اقتضى حشدا كبيرا وجهدا بالغا ونفقات جسيمة «٣» .

هذا، ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا مستمر المدى كما هو المتبادر يثير في قلوب المسلمين في كل وقت الإخلاص واليقين. ويحفزهم إلى التضحية. بالمال والنفس والتسابق في ذلك. وبخاصة في الأزمات والشدائد التي تكون مثل هذه التضحية فيها أشدّ لزاما. ولقد شاءت حكمة التنزيل مع ذلك أن تنوه بالذين يفعلون ذلك في غير الأزمات والشدائد أيضا حيث ينطوي في هذا تلقين بليغ بوجوب البذل والتضحية في كل وقت ومال واستحقاق من يفعل ذلك الحسنى من الله عزّ وجل.

وجملة: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ رائعة المدى في هتافها بأصحاب الأموال بأنهم ليسوا إلا وكلاء لله تعالى وخلفاءه فيها. وبأن عليهم أن


(١) انظر الكتب السابقة الذكر.
(٢) انظر المصدر نفسه.
(٣) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٥٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>