سبق تفسيرها. ولقد كان عدد المؤمنين منهم في حياة النبي أقل من الجاحدين.
وكانت النصرانية سائدة في بلاد الشام ومصر. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسله وكتبه إلى ملوكهم فلم يستجيبوا إليها. وهذا وذاك مصداق ما جاء في الآية. والله تعالى أعلم.
وفي الحديث إن صح بالإضافة إلى ما فيه من أخبار متسقة مع المأثورات القديمة عن سير المسيحية ونزاعاتها وفرقها وما كان من اضطهاد ملوك الرومان للنصارى أولا ثم لمن خالف مذهبهم بعد أن اعتنقوا النصرانية ثانيا وما جرى من قتال بين الفرق النصرانية «١» تفسير لجملة وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ يفيد أن الله تعالى لم يفرض عليهم الرهبانية بدءا وإنما هم ابتدعوها وفرضوها على أنفسهم فأقرهم الله عليها ابتغاء رضوانه. وهذا ملموح من فحوى الآيات وروحها وبدلالة كلمة ابْتَدَعُوها إن لم يصح الحديث.
ولقد أراد فريق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتدعوا رهبانية في الإسلام ابتغاء رضوان الله تقليدا للرهبان والقسيسين من النصارى الذين أثنت عليهم آيات سورة المائدة [٨٧- ٨٩] فاقتضت حكمة التنزيل أن لا تشجعهم على ذلك لئلا يقعوا فيما وقع فيه النصارى من قبلهم. ولينصرفوا إلى ما هو الأنفع والأجدى لنشر دين الله وتعاليمه والجهاد في سبيله مما انطوى خبره وتلقينه البليغ في الآيات المذكورة وفي الأحاديث النبوية الواردة في صددها والتي منها «لكلّ أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» على ما شرحناه في سياق تفسير الآيات المذكورة.
وذكر النصارى على الوجه الذي ورد وإن كان يتبادر أنه من قبيل الاستطراد المألوف في النظم القرآني فإن فيه على كل حال معنى التنويه المستحب بما كان عليه النصارى إجمالا من دماثة خلق ورقة قلب وتسامح وتواضع بالقياس إلى اليهود الذين وصف القرآن أخلاقهم بما وصفها من قسوة وغلظة وخبث وأنانية
(١) انظر كتابنا تاريخ الجنس العربي ج ٢ وج ٤ وتاريخ سورية للدبس مجلد ٣ ج ٣ ومجلد ٣ ج ٤.