وأكثر الآيات القرآنية تلهم أن الشفعاء الذين كانوا يعتقدون بهم ويشركونهم مع الله هم الملائكة في الدرجة الأولى على اعتبار أنهم بزعمهم بنات الله وأصحاب الحظوة لديه، على ما شرحناه في سياق سابق من السورة وعلى ما جاء في آية سورة سبأ هذه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) .
ولعل ذلك آت من قياس الله تعالى في أذهانهم على ملوك الدنيا وأصحاب القوة والسلطان فيها، الذين تحول مشاغلهم ومراكزهم بينهم وبين أصحاب المصالح فيرى هؤلاء أنه لا بد لهم من وسطاء إليهم. وفي اعتبار ذلك شركا مع إيمان العرب بالله وعظمته ينطوي معنى التوحيد الرائع في الإسلام الذي لا يتحمل أي شائبة أو ملابسة بأي تأويل كان.
وعلى كل حال ففي الآية وما جاء في بابها من آيات تلقين مستمر المدى بضلال الاعتماد على شفاعة الشافعين إذا لم يكن المرء من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وبأن الشافعين مهما علت مرتبتهم عند الله لا يمكن أن يشفعوا إلّا لمن حاز مبدئيا رضاء الله وآمن به واتقاه وفي هذا ما فيه الوازع والحافز.
ولقد قلنا في سياق التعليق على الحياة الأخروية أن المشركين الذين تحكي الآية قولهم كانوا لا يؤمنون بهذه الحياة ولا يخافونها. وهذا ما حكته عنهم آية في هذه السورة تأتي بعد قليل. وقد يرد بناء على ذلك سؤال عن هدف الشفاعة التي كان المشركون يرجونها من الشفعاء المحظيين عند الله. والجواب المتبادر هو أنهم كانوا يفعلون ذلك لضمان قضاء مصالحهم ومآربهم في الدنيا من دفع الضرر وجلب النفع والخير على اختلاف المجالات والحالات والأنواع. وهذا هو ما كانوا يتوخونه بصورة عامة من عبادة الله وعبادة الشركاء على اختلاف مظاهرها وطقوسها. ولقد احتوت آيات عديدة أوردنا بعضها آنفا إيذانا بأن الذين يعبدونهم من دون الله ويشركونهم معه بقصد جلب النفع والخير ودفع الضر والشر في الدنيا لن ينفعوهم في ذلك فأرادت الآية التي نحن في صددها على ما هو المتبادر إيذانهم