وتنصلهما من عهدهم. وفي الثانية موجه إلى المشركين يؤذنون به بأن لهم أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر بأمان. مع إنذارهم بأنهم غير معجزين لله وغير فالتين منه. وأنه مخزي الكافرين في أي حال.
وتوجيه الخطاب في الآية الأولى إلى المسلمين قد يبدو غريبا لأول وهلة.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يعقد العهود مع غير المسلمين. والمتبادر أن حكمة التنزيل لما اقتضت أن يقرن رسول الله مع الله عزّ وجلّ في إعلان البراءة والتنصل من هذه العهود جاءت العبارة القرآنية على النحو الذي جاءت عليه لأن العهود وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعقدها فإنها كانت أيضا بين المسلمين والمشركين.
ولقد قال الطبري إن أهل التأويل- وقد ذكر في سياق كلامه ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي ومحمد بن كعب القرظي- اختلفوا في من برىء الله ورسوله إليه من العهد فقال بعضهم هم صنفان. أحدهما كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر فأمهل أربعة أشهر لأن الآيات نزلت في شوال الذي يعقبه الأشهر الحرم الثلاثة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وثانيهما كانت مدته أكثر من أربعة أشهر فقصرت على أربعة أشهر ليرتاء لنفسه ويعلم أنه على حرب إن لم يسلم. وقال بعضهم إن الآيات براءة من العهود مع المشركين عامة لأن الله تعالى علم سرائرهم وأنهم كانوا يخفون غير ما يظهرون من نية الغدر والعداء.
وهذه الأقوال تتعارض كما هو المتبادر مع استثنائين وردا في آيتين تردان بعد قليل أولهما لمن عاهدهم المسلمون ووفوا بعهودهم. وقد أمر المسلمون بإتمام عهدهم إلى مدتهم التي كانت على الأرجح أكثر من أربعة أشهر لأن حكمة الأمر إنما تكون في ذلك. وثانيهما لمن عاهدهم المسلمون عند المسجد الحرام واستقاموا على عهدهم. وقد أمر المسلمون بالاستقامة لهم ما استقاموا لهم دون تحديد وتوقيت. وهذا فضلا عن تعارضها مع تكرر إيجاب الوفاء بالعهود والعقود على المسلمين في سور عديدة مكيّة ومدنيّة.
ولقد لاحظ الطبري هذا. وعقب على الأقوال التي رواها قائلا إن أولى