الدخول فيه يضمن لهم الخلاص من ذلك والارتفاع بهم إلى مستوى الكمال الإنساني عقلا وخلقا وعبادة وعقيدة وعملا. على أننا لسنا نرى في الآيات مع ذلك ما يمنع المسلمين أن يجددوا العهد مع الناكثين بعد الحرب ثانية إذا كانت مصلحتهم تقتضي ذلك. وقد لا يكونون قادرين على متابعة الحرب أو على إخضاعهم بالقوة. والله تعالى أعلم.
وقد يكون في آية سورة البقرة هذه أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وآية سورة الأنفال هذه الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) دليل على ذلك. فإن الآيتين تفيدان أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد الفريق الذي نبذ العهد مرة بعد مرة بالرغم من أنه كان ينقض العهد مرة بعد مرة أيضا. بل وفي آيات جاءت آية الأنفال المذكورة دعما لهذا الدليل حيث جاء فيها وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) . وجملة وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ لافتة للنظر فهي لا ترى مانعا من الجنوح للسلم وتجديد العهد حتى ولو كان من المحتمل أن يكون جنوحهم إليها من قبيل الخداع. والله أعلم.
وجملة فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ تنطوي على تقرير التلازم بين اعتناق الإسلام وبين القيام بأركانه وواجباته العملية التي من أهمها إقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر كما جاء في الآية [٤٥] من سورة العنكبوت وإيتاء الزكاة التي يطهر المسلم بها نفسه وماله ويساعد بها المحتاجين من إخوانه ويؤيد بها الدعوة إلى سبيل الله ونشرها ويجاهد بها الصادقين عنها والمعتدين على أهلها.
وهذا مما تكرر كثيرا جدا في السور المكيّة والمدنيّة بأساليب متنوعة تغني كثرتها عن التمثيل بحيث يصح القول إن عدم القيام بهما يجعل إسلام المسلم موضع شك. ولعل هذا هو ما جعل بعض العلماء يعتبرون تاركي الصلاة عمدا بخاصة مرتدين ويجوزون قتلهم عقوبة على ارتدادهم استنباطا من بعض الأحاديث أو