قريش بطون بني بكر لأنهم حلفاء لهم في حين أنه دخل في هذا الصلح إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بنو خزاعة لما كان بينهم وبين بني بكر من عداء. ولقد بقي بعض بطون بني بكر أوفياء لعهدهم حينما نقضه فريق منهم بتشجيع بعض جماعة من قريش على ما ذكرناه آنفا. وكان نقض هذا الفريق سبب زحف النبي صلى الله عليه وسلم على مكة. فلعلّ من هذا البعض من بدا منهم نكث وغدر بعد الفتح المكي. وكانوا من جملة من كان موضوع البراءة. ولقد كانوا في الأصل حلفاء قريش فيمكن أن يكونوا وصفوا بما جاء في الآية على هذا الاعتبار. ولقد روى البغوي عن مجاهد أن جملة وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قد قصد بها خزاعة حلفاء رسول الله الذين أعانت قريش أعداءهم بني بكر عليهم. وهذه الرواية قد تؤيد ما خمّنّاه من أن يكون الذين بدا منهم نكث وغدر بعد الفتح المكي هم بعض بني بكر، في حين ظل بعض آخر أوفياء لعهدهم. وتفيد الرواية كذلك أن بني خزاعة قد اعتنقوا الإسلام فصار يصح عليهم جملة وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ويمكن أن يكون هذا نتيجة لما كان من تحالف النبي معهم ثم انتصاره لهم وزحفه على مكة. والله أعلم.
وفي الآية الأولى بخاصة توكيد لصواب التوجيهات التي وجهناها في سياق الآيات السابقة إن شاء الله. وهي كون الأمر بالقتال والتحريض عليه إنما كان ضد الناكثين والذين بدأوا المسلمين بالعدوان والأذى والطاعنين في دينهم.
ولقد قال المفسرون إن الفقرة الأخيرة من الآية الثالثة احتوت إشارة إلى ما علم الله تعالى من دخول أهل مكة في الإسلام. والقول يكون وجيها لو كان نزول الآيات قبل الفتح المكي. وعلى كل حال فإن في الفقرة بشرى للمسلمين وتشجيعا لهم على قتال الناكثين من جهة. وإبقاء لباب التوبة والإسلام مفتوحا أمام المشركين والناكثين من جهة أخرى. وهو ما جرى عليه القرآن في مواضع ومناسبات عديدة سابقة. وفيه ما فيه من روعة وجلال من حيث تركيز كون هداية الناس بهدى الإسلام والرسالة المحمدية هي الهدف الجوهري في كلّ المواقف والمناسبات.