للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحصة توزع على مجموعتين وهما المصالح العامة والمحتاجون. ومصارف الزكاة أيضا مثل ذلك على ما سوف يأتي شرحه في سياق الآية [٦٠] من هذه السورة.

ويسوغ القول قياسا على ذلك أن مورد الجزية يصرف بدوره على المجموعتين.

والله أعلم. ولقد عدّ الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام الجزية من الفيء «١» . وفي هذا تأييد لما نقول.

والمتبادر أن تقرير مبدأ الصلح مع المحاربين الكفار على الجزية قد انطوى على تبرير غاية الجهاد الإسلامي وهي إخضاع المحارب وخضد شوكته حتى لا يكون قادرا على الإخلال بأمن المسلمين ومصالحهم وحريتهم وتعطيل الدعوة الإسلامية وحريتها. ونصّ الآية الأولى يلهم بقوة أنه ليس للسلطان الإسلامي أن يمتنع عن المصالحة على الجزية في حالة قهر المحارب وخضوعه واستسلامه وإعلان رغبته في الصلح واستعداده لأداء الجزية. وهذا متسق مع المبادئ القرآنية العامة أيضا.

فالقتال شرّع لدفع العدوان والمقابلة من جهة وتأمين حرية الدعوة وأمن المسلمين ومصلحتهم وكرامتهم واحترام دينهم من جهة أخرى. فإذا ما أعلن المحارب خضوعه للسلطان الإسلامي وأصبح المسلمون في أمن على حريتهم ومصلحتهم وحرية الدعوة إلى دينهم واحترام دينهم دون أي عثرة ومناقضة فيكون المقصد قد حصل ولم يبق ما يسوغ تجاوزه. وآيات الأنفال هذه وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) صريحة في ذلك على ما شرحناه في سياق تفسيرها.

ولقد روى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه «إنّكم لعلّكم تقاتلون قوما فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم ويصالحونكم على صلح. فلا تأخذوا منهم فوق ذلك فإنّه لا يحلّ لكم» «٢» حيث يفيد أن إجابة المسلمين لطلب الصلح من المحارب على الجزية أمر واجب وطبيعي فضلا عن ما


(١) كتاب الأموال ص ١٨.
(٢) المصدر نفسه ص ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>