للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلو من أخذه بحقّه ووضعه في حقّه فنعم المعونة هو. ومن أخذه بغير حقّه كان كالذي يأكل ولا يشبع» «١» . وحديث رواه البغوي عن أبي ذرّ قال: «انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظلّ الكعبة فلما رآني قال: هم الأخسرون وربّ الكعبة. فجئت حتى جلست فلم أتقارّ أن قمت فقلت يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم فقال الأكثرون أموالا إلّا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم» . وروي عن أبي ذرّ أنه كان يقول من ترك بيضاء أو حمراء كوي به يوم القيامة. ولقد روي عن زيد بن وهب قال: «مررت على أبي ذرّ بالربذة- وهي قرية من قرى المدينة- فقلت ما أنزلك بهذه الأرض قال كنّا بالشام فقرأت: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ... فقال معاوية ما هذه فينا ما هذه إلّا في أهل الكتاب. فقلت إنها لفينا وفيهم فارتفع في ذلك بيني وبينه القول فكتب إلى عثمان يشكوني فكتب إليّ عثمان أن أقبل إليه فأقبلت إليه فلما قدمت المدينة ركبني الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ فشكوت ذلك إلى عثمان فقال لي تنحّ قريبا قلت والله لن أدع ما كنت أقول» «٢» . ويروي الطبري في تاريخه بعض مواقف أبي ذرّ من هذا الباب


(١) التاج ج ٥ ص ١٤٧- ١٥٩.
(٢) روى هذا الطبري وروى البخاري شطرا من هذا الحديث وهو هذا عن زيد بن وهب قال مررت على أبي ذر بالربذة فقلت ما أنزلك بهذه الأرض قال كنا بالشام فقرأت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ... الآية قال معاوية ما هذه فينا ما هي إلا في أهل الكتاب قلت إنها لفينا وفيهم. وقال ابن عمر هذا قبل الزكاة. فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال) التاج ج ٤ ص ١١٦ ونقول استطرادا إن كلام ابن عمر يوهم أن الزكاة فرضت بعد هذه الآية. وهناك من قال إن آية الزكاة نسخت هذه الآية وإن الزكاة فرضت في السنة التاسعة.
وقال القاسمي الذي أورد هذا إن ابن كثير جزم بذلك في تاريخه. وإن بعضهم قواه بسبب كون آية الصدقات في هذه السورة قد نزلت بعد هذه الآية. والمقصود من آية الزكاة وآية الصدقات هو هذه إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠) .
وهذا القول غريب من نواح عديدة. فالزكاة ذكرت في سور مكيّة مبكرة ثم ظلت تذكر متلازمة مع الصلاة في السور المكيّة ثم في السور المدنيّة بأسلوب يفيد بكل قوة أنها كانت مفروضة وممارسة في العهد المكي. وهناك آيات مكيّة قوية الدلالة على أن مقدارها كان معينا وكان المسلمون يؤدونه مثل آيات سورة المعارج هذه وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وآية الصدقات أو الزكاة المذكورة ليست في صدد فرض الزكاة وإنما هي في صدد ذكر المصارف التي تصرف فيها. بل إن أسلوبها لا يدل على أن هذه المصارف تعين تعيينا جديدا. وإنما هو في صدد تقرير ذلك كأنما هو المعروف الذي يجب أن يوقف عنده. والرقاب ورد ذكرها في معرض ما يجب الإنفاق عليه في آية سورة البقرة [١٧٧] وليس في القرآن والحديث ما يفيد أن الزكاة فرضت في العهد المدني فضلا عن أواخره. ونحن نجل ابن عمر رضي الله عنه عن أن يجهل ذلك. ولذلك فإما أن يكون كلامه نقل محرفا أو أن المقصود منه هو أن الآية في حق الذين لم يؤتوا الزكاة، وأن الزكاة جعلت طهرا للأموال. وهذا هو ما جاء في الحديث النبوي المروي سابقا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>