البغوي قائلا إن القول الأول هو الأصح لأن الآية في منع الزكاة لا في جمع المال الحلال. وقد علّق النيسابوري والزمخشري والخازن والنسفي والطبري تعليقات مماثلة أيضا. وقد يكون هذا هو المتسق مع طبائع النفوس والأمور. فليس من ذلك أن يطلب من كل الناس أن لا يحتازوا مالا أو أن ينفقوا ما يحتازونه دون أن يدخروه أو ينفقوا معظمه. وكل ما يتسق مع ذلك هو أن يطلب منهم أداء ما فرضه الله عليهم من حقّ. وقد يكون الهدي النبوي في الأحاديث التي ذكر فيها «أن المال الذي يؤدي زكاته ليس كنزا. وأن نعم المال الصالح للعبد الصالح. وأن الله إنما فرض الزكاة ليطيّب بها ما بقي عند الناس من أموال. وأن المال الذي يفعل به الخير نعم المعونة هو» هو الاتساق مع طبائع الأمور والنفوس في شأن ليس محرما تحريما باتا. ويمكن أن يضاف إلى هذا أن الهدي القرآني لا يمنع المسلمين من الاستمتاع بزينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق إذا ما راعوا الاعتدال والقصد لأن ذلك هو المتسق مع تلك الطبائع. غير أن قوة الزجر في الآيتين اللتين نحن في صددهما والأحاديث العديدة الأخرى التي لا نرى تناقضا بينها وبين هذا الاتساق الذي يراعيه هدي القرآن والنبي معا تسوغ القول أنها تنطوي في الوقت نفسه على تلقين قوي بشجب اكتناز المال والتكالب عليه وحبسه عن سبيل الله ومصالح المسلمين ومحتاجيهم وعمل الخير حتى ولو كان ما احتازوه بطرق مشروعة ولو أدوا القدر الزهيد المفروض عليها زكاة. ومن الجدير بالذكر والتأمل:
أولا: إن القليلين من الأغنياء هم الذين يؤدون الزكاة بحقها. أما الأكثر فإما أنهم لا يؤدونها بالمرة وإما أنهم يؤدون قدرا أقل من المستحق عليهم. ومعنى هذا أن أكثر الأغنياء هم موضوع الإنذار الرهيب الذي تضمنته الآيات من جهة. وقد فقدوا التكأة التي تجعل حيازتهم للكنوز سائغة على ضوء بعض الأحاديث من جهة أخرى ونعني بها إعطاء الزكاة كاملة عنها.
وثانيا: إن كثرة الثروة في أيدي الأفراد مؤدية في الأعمّ الأغلب كما هو مشهود دائما في أيامنا بنوع خاص إلى التبذير والإسراف والفسق والفجور والبغي