القعدة وذي الحجة والمحرم وصارت الوقفة في ذي القعدة وصار المحرّم حلالا.
ونتيجة لذلك تغير رجب عن مكانه الصحيح وهو رابع الأشهر الحرم بسبب موسم ديني كان يقوم في الحجاز فيه وقد سمي لذلك رجب مضر على ما شرحناه في سياق تفسير سورة البقرة. فالذي يخطر بالبال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استنفر الناس إلى غزوة تبوك وكان ذلك في رجب اعترض البعض على السير للقتال في هذا الشهر لأنه شهر محرم أو لاحظوا ذلك فنزلت الآيتان ليعلن بهما:
أولا: إن هذا الرجب ليس هو الرجب المحرّم الأصلي وإن مكان الرجب المحرم الأصلي هو جمادى الثانية. لأن رجب يأتي بعد المحرّم بستة أشهر. وقد صار ذو الحجة في هذا العام بديلا عن المحرم فصار رجب هذا العام غير الرجب الأصلي ويكون الرجب الأصلي هو جمادى الآخرة.
وثانيا: إن السير إلى غزوة تبوك في رجب هذا العام ليس فيه إحلال بحرمة شهر المحرم لأن رجب هذا العام ليس هو الشهر المحرم الأصلي.
وثالثا: إن تقليد النسيء باطل وكفر وضلال ولو أن فيه مواطأة لعدة الأشهر المحرمة لأن الحرمة ليست للعدة فقط بل هي لعين الأشهر أيضا. فإذا صح هذا ونرجو أن يكون صحيحا والشرح يقوي صحته ورجحانه على أي احتمال آخر، فتكون الآيتان قد نزلتا في المناسبة التي نزلت فيها الآيات السابقة واللاحقة ويكون السياق منسجما ومتلاحقا.
ولقد حجّ النبي صلى الله عليه وسلم في العام الثاني لحجة أبي بكر أي في العام العاشر للهجرة. وكان ترتيب الأشهر الحرم قد عاد إلى أصله فكان مما قاله في خطبة الوداع «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان»«١» . وهكذا حسم أمر وجوب الاحتفاظ
(١) روى هذا الحديث البخاري انظر التاج ج ٤ ص ١١٦، ١١٧. وروى الطبري هذا الحديث بطرق عديدة أيضا.