للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرا أن يكون النسيء الذي جعل في أول أمره لموازنة الفصول قد أسيء استعماله مؤخرا فصار الناس يطلبونه لأغراض حربية وثأرية. ولعل هذا كان من أسباب إلغائه المباشرة فضلا عن حكمة أخرى تنطوي في الإلغاء وهي سدّ الباب أمام الجرأة على انتقاص الحرمات والتلاعب فيها. وهذا المعنى منطو في الآية الثانية من الآيتين اللتين نحن في صددهما. والله تعالى أعلم.

وتقليد الأشهر الحرم هو تقليد عربي خاص كما هو واضح في حين أن عدة الشهور اثْنا عَشَرَ شَهْراً هو ناموس كوني. ولهذا فالمتبادر أن تعبير مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ مرتبط بما بعده وليس بما قبله.

وكتب التفسير تذكر تعليلا لتسمية ذي القعدة بأنه الشهر الذي كان العرب الذين يعتزمون الحج يرتحلون فيه إلى مكة ويقعدون بسبيل ذلك على رواحلهم ولتسمية ذي الحجة بأنه الشهر الذي يتمّ فيه الحج. أما تسمية المحرم الذي لا تكون فيه مناسك حجّ فقد قالوا إنها بسبيل توكيد تحريم القتال فيه. لأنّ الشهر الذي ينصرف الحجاج فيه إلى منازلهم فيكون فيه مجال اللقاء والقتال. وفي التعليلات وجاهة ظاهرة. أما تسمية رجب وهو الشهر المحرم الرابع، فهي مشتقة من الترجيب وهو التعظيم على ما قالوه فينطوي فيها سبب أو مدى تحريمه كما هو المتبادر.

ولقد تعددت أقوال المؤولين في تأويل جملة ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فمنهم من قال إنها بمعنى الحساب الصحيح، أو الحقّ دون تبديل وتعديل بالنسيء.

ومنهم من قال إن معناها أن ذلك هو الأصل الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.

وكلا القولين وجيه. والثاني متصل بما كان يتداوله العرب من إرجاع أصول الحج إلى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على ما مرّ شرحه في مناسبات سابقة. وعلى كل حال فإن في الجملة إيذانا بأنّ هذا التقليد على وجهه المحدد هو من حيث الأصل من التقاليد الدينية الملهمة أو الموحاة من الله عزّ وجلّ. ويؤيد هذا جملة لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ وفي هذا توكيد لما قلناه في

<<  <  ج: ص:  >  >>