للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترتيب «١» أي أنها نزلت بعد سورة المسد بثلاث سنين على الأقل. وروح آية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ تلهم أنها لم تنزل مبكرة «٢» . لذلك فنحن نتوقف في الروايات، وإشراك امرأة أبي لهب مما يقوي صواب توقفنا إن شاء الله.

ولقد ذكرت الروايات «٣» أن إحدى بنات النبي كانت مخطوبة أو زوجة لعتبة بن أبي لهب وأن بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم كان مجاورا لبيت أبي لهب. فمما يمكن أن يرد على البال بقوة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد اتصل بعمه عقب نزول الوحي عليه في أول من اتصل بهم ودعاه في أول من دعا. فالرجل عمه وجار بيته وصهره، ولعله كان يكثر التردد على بيته. ومن المعقول أن يفاتحه قبل الناس وأن يفضي إليه بأمره وأن يطلب منه التصديق والتعضيد ولعله كان واثقا كل الثقة بأنه سيقابل بالحسنى والإجابة، وبأنه واجد في عمه العضد القوي والسند الأمين. فلم يلبث أن خاب أمله فقوبل أسوأ مقابلة، وكان من عمه وزوجته أشد موقف في الأذى والعناد والتعطيل، والقطيعة حتى لقد روي «٤» أن أبا لهب كان يسير وراء النبي صلّى الله عليه وسلّم فكلما رآه يكلم أحدا جاء إليه وقال له: أنا عمه فلا تصدقه فإنه ذاهب العقل، وأن زوجته كانت تضع الأقذار أمام بيته وتشيع عنه الإشاعات السيئة. وأن الزوجين حملا ابنهما على تطليق بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم. وعمومة أبي لهب للنبي صلّى الله عليه وسلّم مما يزيد في شدة موقفه في نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي الغرباء كما هو بدهي. ونعت امرأة أبي لهب بحمالة الحطب يلهم أنها كانت ذات تأثير قوي في الموقف فيزداد شدة ولعلها كانت تقوي زوجها وتنفخ في روحه كلما أنست فيه جنوحا إلى الفتور والتروي، بسبب ما كان


(١) انظر تراتيب النزول المروية في كتابنا سيرة الرسول ج ١ ص ١٣٤- ١٣٥ والإتقان في علوم القرآن ج ١، ص ٢٦.
(٢) يذكر الطبري في تاريخه ج ٢ ص ٦١.
(٣) انظر مجمع الزوائد، مكتبة القدسي ج ٩ ص ٢١٣- ٢١٤.
(٤) انظر سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٢ مطبعة حجازي وتفسير السورة في تفسير ابن كثير والبغوي والطبري والنيسابوري وابن عباس، والجزء والصحف المذكورة آنفا من مجمع الزوائد. [.....]
الجزء الأول من التفسير الحديث ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>