يقدحون في النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حذر بعضهم بعضا من وصول خبر هذه المجالس إليه قالوا إنه أذن سهل الإقناع فننكر ونحلف له فيصدق ويقنع. وإلى هذه الرواية قال البغوي إن الآية نزلت في نبتل بن الحارث من المنافقين وكان مشوه الخلقة حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنه على ما جاء في رواية البغوي «من أحبّ أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل» وكان ينمّ حديث النبي إلى المنافقين فقيل له لا تفعل فقال: «إنما محمد أذن. فمن حدثه صدقه فنقول ما شئنا ثم نأتيه ونحلف بالله فيصدقنا» . وكل من الروايتين محتملة ومتسقة مع الآية إجمالا. وإن كان مما يتبادر لنا أن الآية يمكن أن تفيد أن المنافقين إنما كانوا يعيبون على النبي صلى الله عليه وسلم كونه سريع الاستماع والتصديق لكل ما ينقل إليه مع تقريرها حقيقة أمرهم في تعمد القدح به وإيذائه.
على أن الذي نرجحه أن الآية لم تنزل لحدتها ولمناسبة ما ورد في إحدى الروايتين. وأنها جزء من السلسلة واستمرار في السياق. وعطفها على ما سبقها واستعمال ضمير الجمع الغائب والعائد إلى من هم موضوع الكلام في الآيات السابقة قرائن على ذلك. ويسوغ القول والحالة هذه أن الصورة كانت قديمة معروفة عن المنافقين فذكرت في سلسلة التنديد والتقريع والتذكير بأخلاقهم ومواقفهم التي اقتضت حكمة التنزيل وحيها أثناء غزوة تبوك للتنديد بتثاقلهم وتخلفهم عن الغزوة. والله أعلم.
والردّ الذي احتوته الآية انطوى على ثناء رباني بليغ على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وما تحلّى به من صفات كريمة محببة. وجاء الردّ بسبب ذلك قويا محكما في الوقت نفسه: فالنبي إذن خير لهم. وليس ظنان سوء بالمؤمنين المخلصين. وإنه ليراهم خليقين بالاعتماد والثقة والتصديق ولا سيما أنه يؤمن بالله ويجعل اعتماده عليه ولا يبالي ما وراء ذلك. وقد صار بهذا رحمة للمؤمنين. لأن إساءة الظن وكثرة الشك بدون موجب وخاصة في المخلصين من مفسدات الأمور ومعقدات النفوس. وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك في سورة الحجرات على ما مرّ تفسيره. ومما لا ريب فيه أن في هذه الصفة على هذا البيان مستمد إلهام قوي لمن يتولى قيادة الأمة.