قتل الجماعة المتآمرة فقال:«أكره أن تقول العرب لما ظفر محمّد وأصحابه أقبل يقتلهم» بل يكفيناهم الله بالدبيلة «١» . وهناك رواية تذكر أن الاستهزاء كان من ابن أبيّ بن سلول في المدينة وأن النبي عاتبه فأخذ يعتذر له ويقول إنما كنا نخوض ونمزح يا رسول الله. وقد ذكر هذا المفسّر اسم الشخص الذي تاب وكان مظهر عفو الله وهو مخشي بن حمير الأشجعي وروي أنه كان يقول:«اللهم إني لا أزال أسمع آية تقرأ أعنى بها، تقشعرّ الجلود وتجب القلوب منها. اللهمّ اجعل وفاتي قتلا في سبيلك. لا يقول أحد أنا غسلت. أنا كفنت. أنا دفنت» وأنه أصيب يوم اليمامة.
وليس شيء من الروايات واردا في كتب الأحاديث المعتبرة والذي يتبادر لنا أن فحوى الآية الأولى وروحها تلهم أن الآيات في صدد مجلس من مجالس المنافقين استغابوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا ما حكته الآية الأولى من حذرهم على سبيل الهزء والتفكّه. وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم فعاتبهم فاعتذروا. ومنهم من تاب وحسن إيمانه ومنهم من ظلّ مرتكسا في الكفر والنفاق. وقد يكون هذا المجلس أثناء غزوة تبوك فجاءت الآيات منسجمة مع السلسلة السابقة واللاحقة.
وإن كنّا نرجح أنها لم تنزل مستقلة عن ما سبقها وأنها جزء من السلسلة وأن المجلس كان سابقا فتضمنت الآيات حكايته والتذكير به في جملة ما حكى وذكر به من مواقفهم وأخلاقهم في سياق التنديد بهم على تثاقلهم عن الغزوة. وتكون الآيات والحالة هذه قد نزلت أثناء الغزوة وإن صحّ هذا الترجيح وهو ما نرجوه تكون الرواية التي ذكر فيها اسم ابن أبي بن سلول هي المحتملة وكان هذا من المتخلّفين والله أعلم.
والمشهد الذي حكته الآيات مما يمكن أن يكون من ذوي القلوب المريضة في كل ظرف. وبخاصة في الظروف العصيبة. والآيات والحالة هذه تنطوي على تلقين لذوي الشأن بوجوب الوقوف من هذه الفئة موقف اليقظة والشدة وعدم الانخداع بما يبدونه من أعذار كاذبة إلا إذا تحقق صدق اعتذارهم وتوبتهم.
(١) فسّر البغوي الدبيلة بأنها سراج من نار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم.