المجتمع الإسلامي حتى أصبحوا لا يجدون وليا ولا نصيرا. وهذا تطور واضح في مركزهم وفي استعلاء كلمة الله ورسوله.
والدعوة إلى التوبة ونصيحتهم بها حتى في مثل الظرف التطوري الذي صاروا فيه مما هو متسق مع الدعوة والنصيحة القرآنيتين المتكررتين في كل مناسبة وبالنسبة للمنافقين والكفار على السواء، ومؤكد لما نبهنا عليه في المناسبات العديدة السابقة بكون الهدف الجوهري للتنزيل القرآني والشريعة الإسلامية إنما هو إصلاح البشرية وإنقاذ الناس من الضلال والفساد والأخلاق المنكرة.
ولقد ذكرنا قبل أن المفسرين رووا أن جملة وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ عنت شخصا كان فقيرا فصار غنيا بسبب دية حصل عليها بحكم رسول الله. ويتبادر لنا أنها أشمل مدى وقصد من حادثة شخص واحد. وإن ما تلهمه هو أن عهد رسول الله في المدينة قد صار إلى جانب بركته الروحية الفياضة سببا من أسباب الغنى والثروة للناس عامة ومن الجملة المنافقين. وهذا مما يتسق مع الروايات وبخاصة بعد أن أخذ سلطان الإسلام يتوطد ودعوته تنتشر وعاصمته المدينة المنورة- يثرب تزدحم بالناس من كل صوب لمختلف البواعث، والحركة الاقتصادية تقوى نتيجة لذلك.
والتقريع فيها قوي يكشف عن ناحية من نواحي نفوس المنافقين ومقابلتهم الفضل بالجحود. ويكشف في الوقت نفسه عن طبيعة خبثاء الطوية لؤماء الطبع.
وهي الحسد للمنعم والكيد للمتفضل والنقمة على مغدق الخير وسببه. وفي ذلك تلقين مستمر المدى بتقبيح هذه الطبيعة ووجوب الاحتراز منها. وتقرير كونها من صفات المنافقين وذوي القلوب المريضة.
ويلحظ أن الآية أكدت أن المنافقين قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إيمانهم.
ومع ذلك فحكمة الله اقتضت أن يظل باب التوبة مفتوحا لهم. وليس هناك أي خبر صحيح يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم أو قتلهم مما فيه تدعيم لما قلناه في سياق تفسير الآية السابقة لهذه الآيات. وتوافق مع الذي علّق به الطبري وأوردناه في سياق آية