للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكران أن عمر قال للنبي كيف تصلّي عليه وقد نهاك ربّك؟ في حين أن الحديث يذكر أن الله أنزل الآية بعد صلاة النبي عليه. ويلحظ كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر إنما خيّرني الله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وسأزيده على السبعين. والفرق ظاهر بين الاستغفار والصلاة على كل حال مهما كان معنى الصلاة هو الاستغفار. وهذا فضلا عما نبّهنا عليه قبل من بعد احتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد فهم النهي عن الاستغفار على هذا الوجه الذي جاء في الحديث وأن يكون قد استغفر له أو لغيره بعد نزول الآيات.

والحديث يذكر أن الآية وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ... نزلت بعد أن صلّى النبي على ابن أبيّ بن سلول. وروايات الحديث المعتبرة تذكر أن هذا كان حيا حينما توجه النبي إلى تبوك وأنه ضرب معسكره إلى جانب معسكر النبي ثم تخلص واعتذر عن السفر على ما شرحناه قبل في سياق موجز قصة غزوة تبوك «١» . وهذا يعني إذا صحّ الحديث أنه مات بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة. والآية جزء منسجم كل الانسجام كما هو واضح من آيات نزلت أثناء هذه الغزوة. ومن الصعب التوفيق بين كل هذا وبين الروايات المتناقضة معه وبخاصة بينه وبين الحديث الذي يرويه الشيخان والترمذي. ونميل إلى القول إن في الحديث والروايات شيئا من الالتباس والتداخل. وأن كل ما يمكن أن يكون هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب التماس عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول المؤمن المخلص فأعطاه قميصه ليكفن به أباه الذي مات بعد العودة من تبوك تطييبا له على إخلاصه وتألفا للمترددين من قومه دون أن يكون ذلك مناسبة لنزول الآية. وفي الحديث أن عمر قال للنبي كيف تصلّي عليه وقد نهاك ربّك. وهذا يعني إذا صح أن عمر استند إلى الآية التي نزلت أثناء الغزوة في حق جميع المنافقين. ولقد ذكر الطبرسي أن النبي لم يصلّ على ابن أبيّ بن سلول ولكنه لم يسند قوله إلى سند معين. ولقد روى الطبري عن أنس أن رسول الله أراد أن يصلّي عليه فأخذ جبريل بثوبه فقال ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره. وهذه الرواية تؤيد رواية الطبرسي من جهة وتنطوي على تصحيح لما


(١) انظر سيرة ابن هشام ج ٤ ص ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>