للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواية أخرى. وروى بطرقه حديثا عن أبي هريرة قال: «قال النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلم وغفار وشيء من جهينة ومزينة خير عند الله يوم القيامة من تميم وأسد بن خزيمة وهوازن وغطفان» .

ومهما يكن من أمر فالمتبادر أن الآيتين استطراد إلى ذكر حالات الأعراب الذين انضووا إلى الإسلام بمناسبة ذكر المعذّرين والمتخلفين منهم عن غزوة تبوك ووصف طبيعة الأعراب عامة. فهما والحالة هذه متصلتان بالسياق وجزء من السلسلة.

وفي الآية الثانية صراحة حاسمة بأنه كان من الأعراب من آمن وأخلص في إيمانه وتأييده للنبي صلى الله عليه وسلم والجهاد بماله ونفسه خلافا لما يحلو لبعض المستشرقين أن يقرروه ويعمموه على البدو بدون استثناء. ومن المتواتر أن عددا غير يسير من القبائل قد ثبت على إسلامه بعد النبي صلى الله عليه وسلم واندمج في حروب الردة تأييدا للإسلام وخليفة الرسول «١» . ولا بدّ من أن يكون المذكورون في الآية الثانية منهم أو هم إياهم.

والآية الثانية إلى هذا تنطوي على مشهد تطوري لإسلام الأعراب. فمن المحتمل أن يكون إسلامهم أو إسلام معظمهم في بدء الأمر غير عميق، وتأثرا بالظروف وخوفا وطمعا. ولقد قررت آية سورة الحجرات هذه قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) ذلك عنهم وقررت قبول الله ذلك منهم إذا ما قاموا بالواجبات الدينية والمادية التي يفرضها الله ورسوله عليهم. ثم أخذ إسلامهم يقوى حتى صار إيمانا مخلصا في فريق منهم دون فريق. وهو ما احتوت الآيتان تقريره. وقد يصح القول استلهاما من روح الآيتين والآية [٩٧] أن الكثرة الغالبة من الأعراب كانت من الفريق الأول. والله تعالى أعلم.


(١) اقرأ تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٦٣- ٥٥٠ واقرأ فصل حروب الردة في الجزء السابع من كتابنا تاريخ الجنس العربي حيث لخصت فيه الروايات وثبت ما قلناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>