فالتوراة والإنجيل اللذان أوحى بهما الله لموسى وعيسى عليه السلام واللذان كانا موجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مفقودان على ما شرحناه في التعليق على التوراة والإنجيل في سياق تفسير الآية [١٥٨] من سورة الأعراف. وأسفار العهد القديم التي يمكن أن يكون فيها شيء مما بلّغه الله عزّ وجلّ لموسى عليه السلام أو بلّغه موسى لبني إسرائيل قد دونت بعد موسى بمدة طويلة. وفيها متناقضات كثيرة تدل على طروء تحريف عليها فضلا عن أنه ليس هناك أي دليل على أن فيها جميع ما بلّغه الله عزّ وجلّ لموسى أو بلّغه موسى لبني إسرائيل. والأناجيل المتداولة هي ترجمة حياة عيسى عليه السلام وليس هناك أي دليل على أن فيها جميع ما بلّغه الله عزّ وجلّ لعيسى وبلّغه عيسى لبني إسرائيل وغيرهم. ولقد جعل الله القرآن مهيمنا على الكتب السابقة المنسوبة إلى الله عزّ وجلّ. ومقتضى هذا من وجهة العقيدة الإسلامية أن كل ما ورد في القرآن مما لم يرد في الأسفار المتداولة اليوم من المبادئ والأسس هو الحق على ما شرحناه في سياق تفسير الآية [٤٨] من سورة المائدة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا روى الشيخان صيغة مقاربة لأوله مع زيادة مهمة فرأينا أن نورد صيغة الشيخين لما في الزيادة من روعة وتلقين وهذه هي «تضمّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم. لونه لون دم وريحه ريح مسك.
والذي نفس محمد بيده لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا. ولكني لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عني. والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أحيا ثم أغزو فأقتل ثم أحيا ثم أغزو فأقتل ... » «١» .