ويكفي أن يأتي من كل فرقة منهم طائفة ثم اقتضت هذه الحكمة الإيحاء بالآية التي نحن في صددها لتؤذن المسلمين من غير أهل المدينة بأن مما يكفيهم ويجب عليهم أن يقاتلوا من يليهم من الأعداء الكفار دون حاجة إلى مجيئهم جميعا إلى المدينة.
ومع أن معظم جزيرة العرب قد أرسلت وفودها بعد غزوة تبوك وقبيلها إلى المدينة وبايعت النبي على الإسلام على ما جاء في كتب السيرة القديمة «١» فإنه بقي شراذم متفرقة مناوئة. مثل بني حنيفة بقيادة زعيمهم مسيلمة في اليمامة الذي ادعى النبوة في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومثل بني أسد بقيادة زعيمهم طلحة في نجد وجماعة الأسود العنسي في اليمن اللذين ادعيا النبوة كذلك في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت حالة الحرب قائمة في الوقت نفسه بين المسلمين ونصارى الشام والروم والغساسنة أصحاب السلطان والحكم فيها. ومن المحتمل أن يكون قد وفد على المدينة جماعات من هذه الأنحاء فنزلت الآية للإيعاز لهم بما هو الأولى والألزم والله تعالى أعلم.
وظروف نزول الآية وهدفها من جهة والمبادئ القرآنية الجهادية المحكمة من جهة أخرى تسوغ القول إن الكفار المقصودين في الآية هم الكفار الأعداء فحسب وليس كل الكفار إطلاقا وبدءا ولو لم يكونوا أعداء محاربين ومعتدين على الإسلام والمسلمين. وهذا متسق مع قول الطبري:«أنّ كلّ من تأوّل هذه الآية يرى أن معناها إيجاب الفرض على أهل كل ناحية قتال من وليهم من الأعداء» . والفرق واضح بين الكفار إطلاقا وبين الأعداء منهم.
والآية في حدّ ذاتها مطلقة العبارة والتوجيه وعليها طابع التعليم والتشريع للمسلمين في جميع ظروفهم أيضا. ولعلّ مما تعلّمه هو السير على ما هو الأولى من قواعد الحرب وهو عدم توزيع القوى وفائدة حشدها وتوجيهها إلى الأقرب فالأقرب من الأعداء. مع التنبيه على أن ذلك يجب أن يكون متمشيا مع مقتضيات المصلحة الإسلامية التي يقررها ولي أمر المسلمين، وعلى وجاهة ما قاله الطبري