بهذا الاعتبار تنطوي على تلقين مستمر المدى للمسلمين كجماعات بمقابلة نعم الله عزّ وجلّ بالشكر والحمد والاستغفار وبخاصة إذا كانت عامة متصلة بمصلحة المسلمين ونصرهم وتوطد أمرهم وانتشار دين الله وكلمته. ثم لكل مسلم إذا ما صار في ظرف من الظروف موضع رعاية الله وعنايته في تحقيق أمر خطير في دينه ودنياه.
وأسلوب الآيات توقيتي إذا صح التعبير، أي أنه يوجب التسبيح والاستغفار حينما يجيء نصر الله وفتحه ويدخل الناس في دين الله أفواجا. غير أن روحها يلهم أن ذلك الواجب قد وجب وأن ذلك المجيء قد جاء. والروايات والأحاديث التي أوردناها في صدد نزولها تؤيد ذلك كما هو المتبادر.
ومعظم المفسرين على أن الفتح المذكور في السورة هو فتح مكة حتى إنهم جعلوا تفسيرها وسيلة لإيراد قصة هذا الفتح. ولقد تمّ هذا الفتح في رمضان في السنة الثامنة للهجرة على ما شرحناه في سياق تفسير سورة الحديد في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى في أوائل السنة الحادية عشرة.
والروايات التي أوردناها في المقدمة ذكر فيها أن السورة قد نزلت قبل وفاته بمدة قصيرة أقل من ثلاثة أشهر وهذا يجعلنا نرجح أن يكون ما عنته الآيات ليس فتح مكة وحسب بل مجموعة الانتصارات والفتوحات الضخمة التي يسرها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى قبيل وفاته والتي بلغت ذروتها بفتح مكة الذي شرحنا قصته في سورة الحديد وبغزوة تبوك الكبرى التي شرحنا قصتها في سورة التوبة وبفتح الطائف التي ظلت مستعصية إلى السنة الهجرية التاسعة والتي لم تقتض حكمة التنزيل أن يشار إليها في القرآن ثم بسبيل الوفود التي أخذت تتدفق من جميع أنحاء جزيرة العرب على المدينة المنورة خلال السنتين التاسعة والعاشرة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم والدخول في دين الله أفواجا واستمر تدفقها إلى قبيل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بتوطد سلطان النبي والإسلام في جميع أنحاء الجزيرة العربية يمنها وتهامتها وحجازها وشرقها وشمالها مما ذكرنا بعض فصوله في سياق تفسير سورة التوبة ومما أطنبت به كتب السيرة