بعد موسى. وفيها كثير من التناقض والمفارقات والغلوّ وفيها أشياء كثيرة منسوبة إلى الله عز وجل وأنبيائه لا يمكن أن تكون صحيحة. ولا يصح أن توصف بوصف صحف موسى كما هو ظاهر. وسيأتي بيان أوفى عنها في مناسبة أخرى.
أما صحف إبراهيم فليس هناك شيء عنها إلّا هذه الإشارة التي تفيد أن فيها ما قررته آيات سورة الأعلى من مبادئ. وإشارة مثلها في سورة النجم مع زيادة توضيحية هذا نصها: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) .
وهناك حديث طويل أورده المفسر ابن كثير في سياق تفسير الآية [١٦٣] من سورة النساء مرويا عن أبي ذر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء فيه: «إن عدد الصحف المنزّلة على إبراهيم عشر» ولكن الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. وقد توقف بل طغى فيه بعض علماء الحديث على ما ذكره المفسر المذكور والله تعالى أعلم.
وذكر صحف إبراهيم وموسى في مقام عرض الدعوة وأهدافها يلهم أنه بسبيل تقرير كون الدعوة المحمدية وما يبشر وينذر به النبي صلّى الله عليه وسلّم مما هو متطابق مع دعوة الأنبياء السابقين وما أنزل عليهم واستمرار له. وهذا مما تكرر تقريره في القرآن كثيرا، من ذلك آية سورة الشورى هذه: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وآيات سورة النساء هذه: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلًا