آية: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ البقرة [١٩٣] دليل قوي بل حاسم على أن معنى الآية هو قتال المعتدين إلى أن ينتهوا عن موقف العدوان وفتنة المسلمين وتغدو حرية الدعوة وحرية المسلمين في دينهم ودمائهم وأموالهم وحقوقهم مضمونة. وقد جاء في سورة الأنفال آية مثلها تقريبا وهي: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) ولعل في مقطع هذه الآية الأخير قرينة أقوى على أن المقصد من جملة «فإن انتهوا» الانتهاء من موقف العدوان وفتنة المسلمين.
ومن الأدلة اليقينية على أن جملة فَإِنِ انْتَهَوْا الأنفال [٩٣] في هذه الآية وفي آية سورة البقرة [١٩٣] ليست الانتهاء بالإسلام فقط وإن من الممكن أن يكون بوقف حالة الحرب بالصلح أيضا صلح الحديبية الذي جرى بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وقريش في السنة الهجرية السادسة حيث أنهى هذا الصلح حالة الحرب ووقف القتال ضد قريش. والآيتان نزلتا قبل هذا الصلح على الأرجح. ومما يسوغ تخمينه بقوة أن آية البقرة نزلت قبل وقعة بدر وآية الأنفال نزلت بعد هذه الوقعة على ما سوف نشرحه في مناسباتهما.
وفي سورة الإسراء آية فيها دليل حاسم على معنى كلمة الفتنة وهو الرد والارتداد والإرجاع وهي هذه: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) .
وآيات سورة التوبة التي تعلن البراءة من المشركين وتأمر بقتالهم إلى أن يتوبوا ويؤمنوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة والتي أوردناها آنفا تخللها وجاء معها استثناءات تجعل ذلك الإعلان والأمر محصورا في المشركين المعتدين والناكثين لعهودهم كما جاء في عبارة إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً التوبة [٤] وكما جاء في الآيات التالية التي هي جزء من السلسلة: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ الجزء الثاني من التفسير الحديث ٣