القرآن المكي أولا ثم القرآن المدني. وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قصّ على أصحابه ما شاء الله عز وجل أن يجليه له من صور في هذا المشهد في ظروف متفرقة نرجح أنها كانت في العهد المدني لأن معظم رواة أحاديث هذا المشهد من أهل هذا العهد وبخاصة مالك بن صعصعة وأبو هريرة وأنس بل وعائشة رضي الله عنهم والأخيرة كانت طفلة حين وقوع الحادث. ولم تبلغ وترشد إلّا في المدينة كما هو مشهور وقد يدعم ما رجحناه نصوص بعض الأحاديث. وقد رأينا أن نسهب في هذا الأمر في هذه الطبعة لأننا سمعنا بعض النقد على ما كتبناه مقتضبا في الطبعة الأولى فأردنا أن نعرض الأمر في هذه الطبعة عرضا أوسع.
أما حادث الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فالنص القرآني الصريح به قد يجعل الأمر مختلفا عنه بالنسبة لما قلناه عن ماهية المعراج. ونؤجل الكلام عنه إلى مناسبته القرآنية في سورة الإسراء.
ولقد روى البخاري حديثا عن سمرة بن جندب يحتوي خبر رؤيا منامية رآها النبي صلّى الله عليه وسلّم وقصها على أصحابه جاء فيه: «كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال من رأى منكم الليلة رؤيا فإن رأى أحد قصّها فيكون ما شاء الله.
فسألنا يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا، قال: لكنّي رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلّوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ثمّ يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيضع مثله. فقلت ما هذا قالا انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه. قلت من هذا؟ قالا: انطلق.
فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيّق وأسفله واسع تتوقّد تحته نار فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجون فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة قلت من هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر، وعلى شطّ النهر رجل بين يديه حجارة. فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا