الدعوة الإسلامية حيث يفتح الكافر حينما يسلم صفحة جديدة ويستقبل عهدا جديدا وهو ما عبر عنه الأثر المشهور «الإسلام يجبّ ما قبله» ومؤيد بما تضمنته آية التوبة [١١] ويصبح الكفار إخوانا للمسلمين مهما فعلوا معهم من أفعال ووقفوا من مواقف ومهما ارتكبوا من آثام قبل إسلامهم. وحيث يتاح للمخطئين والآثمين من المسلمين فرصة الرجوع عن خطأهم وآثامهم ويشجعون على السير في سبيل الصلاح والإصلاح والحق والخير. ويحال دون تسرب الناس إلى قلوب الجاهلين والاستمرار في طريق الأشر والإثم. وفي هذا كله من المصلحة الإنسانية وصلاحها الأخلاقي والاجتماعي والديني ما هو واضح من الروعة والجلال.
والآيات مكية ومدنية، وقد نزلت في مختلف أدوار التنزيل وبدأ نزولها من عهد مبكر حيث يبدو من هذا حرص الدعوة الإسلامية على فتح ذلك الباب وإتاحة تلك الفرصة منذ أولى خطواتها ثم استمر ذلك إلى آخر عهودها. وفي الآيات شروط هامة جدا للتوبة وقبولها ونفعها لا تدع مجالا لقول قائل إنها مما يشجع على اقتراف الإثم وتجاوز الحد. وهي التوبة الصادقة التي تتمثل في الندم على ما فات والعزم على الكف والإصلاح والإنابة إلى الله واتباع ما أمر به ونهى عنه. وفي متسع من الحياة والعمر والعافية. وللإصلاح الذي تكرر وروده في الآيات معنى واسع شامل. وقد يتناول بالإضافة إلى تحسين الخلق والسلوك والتزام الحق والفضيلة. بالنسبة للمسلم الجانح والدخول في دين الله بالنسبة للكافر تلافي ما يمكن أن يكون سببه التائب من أضرار مادية ومعنوية وبخاصة مما يتعلق بحقوق الناس أفرادا وجماعات. لأن حقوق الناس ودماءهم وأموالهم تظل في عنق المعتدين عليها حتى يؤدوها أو تؤخذ منهم في الدنيا أو يعاقبوا عليها في الآخرة. وقد روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم. إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه»«١»