على أن هناك من قال إن الميزان في الجملة القرآنية تمثيلي يعني القضاء السوي والحكم العادل وأن استعمال الميزان بهذا المعنى شائع في اللغة. وقد عزيت بعض هذه الأقوال إلى مجاهد والضحاك من علماء التابعين بل وروي عن مجاهد قوله:«ليس ميزانا وإنما هو ضرب مثل»«١» .
ومع ما في هذه الأقوال من وجاهة وسداد فان جمهور المفسرين وأهل السنة قد أخذوا المذهب الأول بناء على صراحة العبارة القرآنية وما روي من أحاديث صحيحة.
وعلى كل حال فإننا نقول إن الإيمان بما جاء في القرآن والأحاديث الصحيحة في هذا الأمر كما في غيره واجب على المسلم مع الإيمان بأنه لا بد من أن يكون لذكر الأمر بالأسلوب الذي ذكر به حكمة. ولما كانت حكمة التنزيل اقتضت أن تكون أوصاف مشاهد الآخرة من نعيم وعذاب وحساب مستمدة من مألوفات الناس على ما نبهنا عليه في سياق تعليقنا على الحياة الأخروية في سورة الفاتحة. ولما كان الناس في الحياة الدنيا قد اعتادوا على وزن الأشياء لمعرفة مقاديرها وقيمها واستيفاء حقوقهم فيها حسب نتيجة الوزن واعتبار ذلك هو مقتضى العدل واعتبار الشذوذ عنه ظلما وغبنا وإجحافا فقد يكون هذا من مقتضيات تلك الحكمة. وقد يكون من مقتضياتها كذلك تنبيه الناس إلى أنهم محاسبون على أعمالهم مهما كانت صغيرة أو كبيرة وأنها سوف يقايس ويوازن بين الحسنات والسيئات منها ولا ينجو إلّا من كانت أعماله حسنات أو على الأقل من كانت حسناته غالبة على سيئاته حتى يجتهدوا في الأعمال الحسنة ويتجنبوا الأعمال السيئة، والله تعالى أعلم.
(١) انظر تفسير آيات الأعراف والأنبياء والمؤمنون في كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي والمنار والقاسمي.