الأمر بين الفريقين إلى التهاجي لأن الفريق المثبت قال إن رؤية الله ممكنة بلا كيفية. فهجاهم النافون حيث قال قائل منهم:
وجماعة سموا هواهم سنة ... لجماعة حمر لعمري مؤكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبلكفه
ورد عليهم خصومهم فقال قائلهم:
وجماعة كفروا برؤية ربهم ... حقا ووعد الله ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا أجل ... عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم ... إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
مع أن الفريقين مخلصان في إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وفي تنزيه الله عزّ وجل عن المماثلة لأي شيء كل الإخلاص. وقصارى اختلافهم أن الفريق النافي ينزّه الله عن الجسمانية التي لا يمكن للرؤية البصرية أن تتحق إلّا بها ويتوقف في الأحاديث الواردة بإمكان ذلك في الآخرة. والفريق المثبت يقف عند هذه الأحاديث مع تنزيه الله عز وجل عن المماثلة والتحفظ في صدد الكيفية.
ولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل وأورد كثيرا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص وانتهى به الكلام إلى القول إنه ليس هناك نصّ قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة «١» .
(١) بالإضافة إلى هذا الفصل الطويل انظر هذه المسألة في تفسير سور (الأنعام والأعراف والقيامة والإسراء والنجم) في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي وغيرهم. وانظر كتابه في مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية نشر عبد الصمد شرف الدين في بومباي عام ١٣٧٤ هـ- تفسير سورة الأعلى أيضا. وما أوردناه في النبذة مستقى منها.