وقد جاءت المقاطع بأسلوب السؤال الاستنكاري الذي ينطوي فيه تقرير معرفة السامعين لجوابه الصحيح وهو التسليم بقدرة الله وصدق الحجة. فهم يعرفون أن الله عزّ وجلّ قد أهلك الأولين وأتبعهم بمن بعدهم، وأن هذه عادته في المجرمين. وهم يعرفون أن الله عزّ وجلّ خلقهم من ماء مهين قدّر له وقتا معلوما في الرحم وأنه هو الذي سوّاهم على أحسن تقدير وحساب وتكوين، وهم يعرفون أن الله عزّ وجلّ جعل الأرض نطاقا واسعا للأحياء والأموات وجعل فيها الرواسي الشامخات وأجرى فيها المياه العذبة التي يستقون منها والتي فيها قوام حياتهم. وفي كل هذا الدليل القاطع على قدرته على بعثهم بعد الموت للحساب.
وفي القرآن آيات جاء فيها اعترافهم صريحا بكل هذا وهو الذي سوّغ لنا تأويل الآيات بما أوّلناه بها. ففي سورة العنكبوت هذه الآية: وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) حيث ينطوي فيها معرفتهم بنكال الأقوام السابقين بسبب اتباعهم الشيطان وعدم استجابتهم إلى رسلهم. ومن هذا الباب آيات سورة الصافات هذه: وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨) . وفي سورة الزخرف هذه الآيات: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) . وهذه الآية وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وفي سورة الواقعة هذه الآيات: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ